اختلفوا في (الضر) على وجوهالأول: قالأكثر المفسرين و أهل اللغة: الصر البردالشديد و هو قول ابن عباس و قتادة و السدي وابن زيدو الثاني: أن الصر: هو السمومالحارة و النار التي تغلي، و هو اختيار أبيبكر الأصم و أبي بكر بن الأنباري، قال ابنالأنباري: و إنما وصفت النار بأنها صِرٌّلتصويتها عند الالتهاب، و منه صرير الباب،و الصرصر مشهور، و الصرة الصيحة و منه قولهتعالى: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِيصَرَّةٍ [الذاريات: 29] و روى ابن الأنباريبإسناده عن ابن عباس رضي اللّه عنهما فيفِيها صِرٌّ قال فيها نار، و على القولينفالمقصود من التشبيه حاصل، لأنه سواء كانبرداً مهلكاً أو حراً محرقاً فإنه يصيرمبطلًا للحرث و الزرع فيصح التشبيه به.
المسألة الخامسة:
المعتزلة احتجوا بهذه الآية على صحةالقول بالإحباط، و ذلك لأنه كما أن هذهالريح تهلك الحرث فكذلك الكفر يهلكالإنفاق، و هذا إنما يصح إذا قلنا: إنه لولا الكفر لكان ذلك الإنفاق موجباً لمنافعالآخرة و حينئذ يصح القول بالإحباط، وأجاب أصحابنا عنه بأن العمل لا يستلزمالثواب إلا بحكم الوعد، و الوعد من اللّهمشروط بحصول الإيمان، فإذا حصل الكفر فاتالمشروط لفوات شرطه لأن الكفر أزاله بعدثبوته، و دلائل بطلان القول بالإحباط قدتقدمت في سورة البقرة.ثم قال تعالى: أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْو فيه سؤال: و هو أن يقال: لم لم يقتصر علىقوله أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ و ما الفائدةفي قوله ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ.قلنا: في تفسير قوله ظَلَمُواأَنْفُسَهُمْ وجهانالأول: أنهم عصوااللّه فاستحقوا هلاك حرثهم عقوبة لهم، والفائدة في ذكره هي أن الغرض تشبيه ماينفقون بشيء يذهب بالكلية حتى لا يبقىمنه شيء، و حرث الكافرين الظالمين هوالذي يذهب بالكلية و لا يحصل منه منفعة لافي الدنيا و لا في الآخرة، فأما حرث المسلمالمؤمن فلا يذهب بالكلية لأنه و إن كانيذهب صورة فلا يذهب معنى، لأن اللّه تعالىيزيد في ثوابه لأجل وصول تلك الأحزانإليهو الثاني: أن يكون المراد من قولهظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ هو أنهم زرعوا فيغير موضع الزرع أو في غير وقته، لأن الظلموضع الشيء في غير موضعه، و على هذاالتفسير يتأكد وجه التشبيه، فإن من زرع لافي موضعه و لا في وقته يضيع، ثم إذا أصابتهالريح الباردة كان أولى بأن يصير ضائعاً،فكذا ههنا الكفار لما أتوا بالإنفاق لا فيموضعه و لا في وقته ثم أصابه شؤم كفرهمامتنع أن لا يصير ضائعاً و اللّه أعلم.ثم قال تعالى: وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُوَ لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَو المعنى أن اللّه تعالى ما ظلمهم حيث لميقبل نفقاتهم، و لكنهم ظلموا أنفسهم حيثأتوا بها مقرونة بالوجوه المانعة من كونهامقبولة للّه تعالى قال صاحب «الكشاف»:قرىء و لكن بالتشديد بمعنى و لكن أنفسهميظلمونها، و لا يجوز أن يراد، و لكنهأنفسهم يظلمون على إسقاط ضمير الشأن، لأنهلا يجوز إلا في الشعر.