نقل الواحدي عن مجاهد و الكلبي: أن هذهالآية منسوخة بآية الزكاة، و هذا في غايةالبعد لأن إيجاب الزكاة كيف ينافي الترغيبفي بذل المحبوب لوجه اللّه سبحانه و تعالى.
المسألة السادسة:
قال بعضهم كلمة (من) في قوله مِمَّاتُحِبُّونَ للتبعيض، و قرأ عبد اللّه حتىتنفقوا بعض ما تحبون و فيه إشارة إلى أنإنفاق الكل لا يجوز ثم قال: وَ الَّذِينَإِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْيَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً[الفرقان: 67] و قال آخرون: إنها للتبيين.و أما قوله: وَ ما تُنْفِقُوا مِنْشَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ.ففيه سؤال:و هو أن يقال: قيل فإن اللّه به عليم علىجهة جواب الشرط مع أن اللّه تعالى يعلمهعلى كل حال.و الجواب: من وجهينالأول: أن فيه معنىالجزاء تقديره: و ما تنفقوا من شيء فإناللّه به يجازيكم قل أم كثر، لأنه عليم بهلا يخفى عليه شيء منه، فجعل كونه عالماًبذلك الإنفاق كناية عن إعطاء الثواب، والتعريض في مثل هذا الموضع يكون أبلغ منالتصريحو الثاني: أنه تعالى يعلم الوجهالذي لأجله يفعلونه و يعلم أن الداعي إليهأهو الإخلاص أم الرياء و يعلم أنكم تنفقونالأحب الأجود، أم الأخس الأرذل.و اعلم أن نظير هذه الآية قوله وَ ماتَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُاللَّهُ و قوله وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْنَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍفَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة: 270]قال صاحب «الكشاف» (من) في قوله مِنْشَيْءٍ لتبيين ما ينفقونه أي من شيءكان طيباً تحبونه أو خبيثاً تكرهونه فإناللّه به عليم يجازيكم على قدره.
[سورة آلعمران (3): الآيات 93 الى 95]
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِيإِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَإِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِأَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْفَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْكُنْتُمْ صادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرىعَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوامِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَمِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)اعلم أن الآيات المتقدمة إلى هذه الآيةكانت في تقرير الدلائل الدالة على نبوّةمحمد صلّى الله عليه وسلّم، و في توجيهالإلزامات الواردة على أهل الكتاب في هذاالباب.و أما هذه الآية فهي في بيان الجواب عنشبهات القوم فإن ظاهر الآية يدل على أنهصلّى الله عليه وسلّم كان يدعي أن كلالطعام كان حلًا ثم صار البعض حراماً بعدأن كان حلًا و القوم نازعوه في ذلك و زعمواأن الذي هو الآن حرام كان حراماً أبداً.و إذا عرفت هذا فنقول: الآية تحتملوجوهاًالأول: أن اليهود كانوا يعولون فيإنكار شرع محمد صلّى الله عليه وسلّم علىإنكار النسخ، فأبطل اللّه عليهم ذلك بأنكُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِيإِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَإِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ فذاك الذيحرمه على نفسه، كان حلالًا ثم صار حراماًعليه و على أولاده فقد حصل النسخ، فبطلقولكم: النسخ غير جائز، ثم إن اليهود لماتوجه عليهم هذا السؤال أنكروا أن يكونحرمة ذلك الطعام الذي حرم اللّه بسبب أنإسرائيل حرمه على نفسه، بل زعموا أن ذلككان حراماً من لدن زمان آدم عليه السلامإلى هذا الزمان، فعند هذا طلب الرسول عليهالسلام منهم أن يحضروا التوراة فإنالتوراة ناطقة بأن بعض أنواع الطعام إنماحرم بسبب أن إسرائيل