وَ لا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَدِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَىاللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ماأُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَرَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِاللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّبِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُوالْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)اتفق المفسرون على أن هذا بقية كلاماليهود، و فيه و جهانالأول: المعنى: و لاتصدقوا إلا نبياً يقرر شرائع التوراة،فأما من جاء بتغيير شيء من أحكام التوراةفلا تصدقوه، و هذا هو مذهب اليهود إلىاليوم، و على هذا التفسير تكون (اللام) فيقوله إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ صلة زائدة فإنهيقال صدقت فلاناً. و لا يقال صدقت لفلان، وكون هذه اللام صلة زائدة جائز، كقولهتعالى: رَدِفَ لَكُمْ [النمل: 72] و المرادردفكمو الثاني: أنه ذكر قبل هذه الآيةقوله آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ.ثم قال في هذه الآية: وَ لا تُؤْمِنُواإِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْأي لا تأتوا بذلك الإيمان إلا لأجل من تبعدينكم.كأنهم قالوا: ليس الغرض من الإتيان بذلكالتلبيس إلا بقاء أتباعكم على دينكم،فالمعنى و لا تأتوا بذلك الإيمان إلا لأجلمن تبع دينكم، فإن مقصود كل واحد حفظأتباعه و أشياعه على متابعته.ثم قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَىاللَّهِقال ابن عباس رضي اللّه عنهما. معناه:الدين دين اللّه و مثله في سورة البقرةقُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى[البقرة: 120].و اعلم أنه لا بد من بيان أنه كيف صار هذاالكلام جواباً عما حكاه عنهم؟ فنقول: أماعلى الوجه الأول و هو قولهم لا دين إلا ماهم عليه، فهذا الكلام إنما صلح جواباً عنهمن حيث أن الذي هم عليه إنما ثبت ديناً منجهة اللّه، لأنه تعالى أمر به و أرشد إليهو أوجب الانقياد له و إذا كان كذلك، فمتىأمر بعد ذلك بغيره، و أرشد إلى غيره، وأوجب الانقياد إلى غيره كان نبياً يجب أنيتبع، و إن كان مخالفا لما تقدم، لأن الدينإنما صار ديناً بحكمه و هدايته، فحيثماكان حكمه وجبت متابعته، و نظيره قولهتعالى جواباً لهم عن قولهم ما وَلَّاهُمْعَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُواعَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة: 142] يعني الجهات كلهاللّه، فله أن يحول القبلة إلى أي جهة شاء،و أما على الوجه الثاني فالمعنى أن الهدىهدى اللّه، و قد جئتكم به فلن ينفعكم فيدفعه هذا الكيد الضعيف.ثم قال تعالى: أَنْ يُؤْتى أَحَدٌمِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْعِنْدَ رَبِّكُمْ.و اعلم أن هذه الآية من المشكلات الصعبة،فنقول هذا إما أن يكون من جملة كلام اللّهتعالى أو يكون من جملة كلام اليهود، و منتتمة قولهم وَ لا تُؤْمِنُوا إِلَّالِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، و قد ذهب إلى كلواحد من هذين الاحتمالين قوم من المفسرين.و أما الاحتمال الأول: ففيه وجوهالأول:قرأ ابن كثير (أن يؤتى) بمد الألف علىالاستفهام و الباقون بفتح الألف من غير مدو لا استفهام، فإن أخذنا بقراءة ابن كثير،فالوجه ظاهر و ذلك لأن هذه اللفظة موضوعةللتوبيخ كقوله تعالى: أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُناقالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [القلم: 14،15] و المعنى أمن أجل أن يؤتي أحد شرائع مثلما أوتيتم من الشرائع ينكرون اتباعه؟ ثمحذف الجواب للاختصار، و هذا الحذف كثيريقول