هذه الآية اشتملت على التكليف بثلاثةأشياء، أولها: الدعوة إلى الخير ثم الأمربالمعروف، ثم النهي عن المنكر، و لأجلالعطف يجب كون هذه الثلاثة متغايرة،فنقول: أما الدعوة إلى الخير فأفضلهاالدعوة إلى إثبات ذات اللّه و صفاته وتقديسه عن مشابهة الممكنات و إنما قلنا إنالدعوة إلى الخير تشتمل على ما ذكرنالقوله تعالى: ادْعُ إِلى سَبِيلِرَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ [النحل: 125] و قولهتعالى: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُواإِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف: 108].إذا عرفت هذا فنقول: الدعوة إلى الخير جنستحته نوعانأحدهما: الترغيب في فعل ماينبغي و هو بالمعروفو الثاني: الترغيب فيترك ما لا ينبغي و هو النهي عن المنكر فذكرالجنس أولًا ثم أتبعه بنوعية مبالغة فيالبيان، و أما شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمذكورة في كتب الكلام.ثم قال تعالى: وَ أُولئِكَ هُمُالْمُفْلِحُونَ و قد سبق تفسيره و فيهمسائل:
المسألة الأولى:
منهم من تمسك بهذه الآية في أن الفاسق ليسله أن يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر، قاللأن هذه الآية تدل على أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من المفلحين، و الفاسقليس من المفلحين، فوجب أن يكون الآمربالمعروف ليس بفاسق، و أجيب عنه بأن هذاورد على سبيل الغالب فإن الظاهر أن من أمربالمعروف و نهى عن المنكر لم يشرع فيه إلابعد صلاح أحوال نفسه، لأن العاقل يقدم مهمنفسه على مهم الغير، ثم إنهم أكدوا هذابقوله تعالى: أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَبِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ[التوبة: 44] و بقوله لِمَ تَقُولُونَ ما لاتَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَاللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لاتَفْعَلُونَ [الصف: 2، 3] و لأنه لو جاز ذلكلجاز لمن يزني بامرأة أن يأمرها بالمعروففي أنها لم كشفت وجهها؟ و معلوم أن ذلك فيغاية القبح، و العلماء قالوا: الفاسق له أنيأمر بالمعروف لأنه وجب عليه ترك ذلكالمنكر و وجب عليه النهي عن ذلك المنكر،فبأن ترك أحد الواجبين لا يلزمه تركالواجب الآخر، و عن السلف: مروا بالخير وإن لم تفعلوا، و عن الحسن أنه سمع مطرف بنعبد اللّه يقول: لا أقول ما لا أفعل، فقال:و أينا يفعل ما يقول؟ ودّ الشيطان لو ظفربهذه الكلمة منكم فلا يأمر أحد بمعروف و لاينهى عن المنكر.
المسألة الثانية:
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أمربالمعروف و نهى عن المنكر كان خليفة اللّهفي أرضه و خليفة