قلة ما يجتمع فيه من حصى الجمار، فإنه منذآلاف سنة و قد يبلغ من يرمي في كل سنةستمائة ألف إنسان كل واحد منهم سبعينحصاة، ثم لا يرى هناك إلا ما لو اجتمع فيسنة واحدة لكان غير كثير و ليس الموضع الذيترمى إليه الجمرات مسيل ماء و لا مهب رياحشديدة و قد جاء في الآثار أن من كانت حجتهمقبولة رفعت حجارة جمراته إلى السماء.
الفضيلة الرابعة:
إن الطيور تترك المرور فوق الكعبة عندطيرانها في الهواء بل تنحرف عنها إذا ماوصلت إلى فوقها.
الفضيلة الخامسة:
أن عنده يجتمع الوحش لا يؤذي بعضها بعضاًكالكلاب و الظباء، و لا يصطاد فيه الكلاب والوحوش و تلك خاصية عجيبة و أيضاً كل منسكن مكة أمن من النهب و الغارة و هو بركةدعاء إبراهيم عليه السلام حيث قال: رَبِّاجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً [البقرة: 126] وقال تعالى في صفة أمنه أَ وَ لَمْ يَرَوْاأَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ[العنكبوت: 67] و قال: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّهذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْمِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ[قريش: 3، 4] و لم ينقل ألبتة أن ظالماً هدمالكعبة و خرب مكة بالكلية و أما بيت المقدسفقد هدمه بختنصر بالكلية.
الفضيلة السادسة:
أن صاحب الفيل و هو أبرهة الأشرم لما قادالجيوش و الفيل إلى مكة لتخريب الكعبة وعجز قريش عن مقاومة أولئك الجيوش و فارقوامكة و تركوا له الكعبة فأرسل اللّه عليهمطيراً أبابيل، و الأبابيل هم الجماعة منالطير بعد الجماعة، و كانت صغارا تحملأحجاراً ترميهم بها فهلك الملك و هلكالعسكر بتلك الأحجار مع أنها كانت في غايةالصغر، و هذه آية باهرة دالة على شرفالكعبة و إرهاص لنبوّة محمد عليه الصلاة والسلام.فإن قال قائل: لم لا يجوز أن يقال إن كل ذلكبسبب طلسم موضوع هناك بحيث لا يعرفه أحدفإن الأمر في تركيب الطلسمات مشهور.قلنا: لو كان هذا من باب الطلسمات لكان هذاطلسماً مخالفاً لسائر الطلسمات فإنه لميحصل لشيء سوى الكعبة مثل هذا البقاءالطويل في هذه المدة العظيمة، و مثل هذايكون من المعجزات، فلا يتمكن منها سوىالأنبياء.
الفضيلة السابعة:
إن اللّه تعالى وضعها بواد غير ذي زرع، والحكمة من وجوهأحدها: إنه تعالى قطع بذلكرجاء أهل حرمه و سدنة بيته عمن سواه حتى لايتوكلوا إلا على اللّهو ثانيها: أنه لايسكنها أحد من الجبابرة و الأكاسرة فإنهميريدون طيبات الدنيا فإذا لم يجدوها هناكتركوا ذلك الموضع، فالمقصود تنزيه ذلكالموضع عن لوث وجود أهل الدنياو ثالثها:أنه فعل ذلك لئلا يقصدها أحد للتجارة بليكون ذلك لمحض العبادة و الزيارة فقطورابعها: أظهر اللّه تعالى بذلك شرف الفقرحيث وضع أشرف البيوت في أقل المواضعنصيباً من الدنيا، فكأنه قال: جعلتالفقراء في الدنيا أهل البلد الأمين،فكذلك أجعلهم في الآخرة أهل المقامالأمين، لهم في الدنيا بيت الأمن و فيالآخرة دار الأمنو خامسها: كأنه قال: لمالم أجعل الكعبة إلا في موضع خال عن جميعنعم الدنيا فكذا لا أجعل كعبة المعرفة إلافي كل قلب خال عن محبة الدنيا، فهذا مايتعلق