في الآية إشكال، و هو أنه تعالى قال:خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُكُنْ فَيَكُونُ فهذا يقتضي أن يكون خلقآدم متقدماً على قول اللّه له كُنْ و ذلكغير جائز.و أجاب عنه من وجوهالأول: قال أبو مسلم:قد بينا أن الخلق هو التقدير و التسوية، ويرجع معناه إلى علم اللّه تعالى بكيفيةوقوعه و إرادته لإيقاعه على الوجه المخصوصو كل ذلك متقدم على وجود آدم عليه السلامتقديماً من الأزل إلى الأبد، و أما قولهكُنْ فهو عبارة عن إدخاله في الوجود فثبتأن خلق آدم متقدم على قوله كُنْ.و الجواب الثاني: و هو الذي عول عليهالقاضي أنه تعالى خلقه من الطين ثم قال لهكُنْ أي أحياه كما قال: ثُمَّأَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فإن قيلالضمير في قوله خلقه راجع إلى آدم و حينكان تراباً لم يكن آدم عليه السلامموجوداً.أجاب القاضي و قال: بل كان موجوداً و إنماوجد بعد حياته، و ليست الحياة نفس آدم وهذا ضعيف لأن آدم عليه السلام ليس عبارة عنمجرد الأجسام المشكلة بالشكل المخصوص، بلهو عبارة عن هوية أخرى مخصوصة و هى: إماالمزاج المعتدل، أو النفس، و ينجر الكلاممن هذا البحث إلى أن النفس ما هي، و لا شكأنها من أغمض المسائل.الجواب: الصحيح أن يقال لما كان ذلكالهيكل بحيث سيصير آدم عن قريب سماه آدمعليه السلام قبل ذلك، تسمية لما سيقعبالواقع.و الجواب الثالث: أن قوله ثُمَّ قالَ لَهُكُنْ فَيَكُونُ يفيد تراخي هذا الخبر عنذلك الخبر كما في قوله تعالى: ثُمَّ كانَمِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [البلد: 17] و يقولالقائل: أعطيت زيداً اليوم ألفاً ثمأعطيته أمس ألفين، و مراده: أعطيته اليومألفاً، ثم أنا أخبركم أني أعطيته أمسألفين فكذا قوله خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ أيصيره خلقاً سوياً ثم إنه يخبركم أني إنماخلقته بأن قلت له كُنْ.
المسألة الخامسة:
في الآية إشكال آخر و هو أنه كان ينبغي أنيقال: ثم قال له كن فكان فلم يقل كذلك بلقال: كُنْ فَيَكُونُ.و الجواب: تأويل الكلام، ثم قال له كُنْفَيَكُونُ فكان.و اعلم يا محمد أن ما قال له ربك كُنْ فإنهيكون لا محالة.
[سورة آلعمران (3): آية 60]
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَالْمُمْتَرِينَ (60)و فيه مسائل: