في قوله بِآياتِ اللَّهِ وجوهالأول: أنالمراد منها الآيات الواردة في التوراة والإنجيل، و على هذا القول فيه وجوهأحدها:ما في هذين الكتابين من البشارة بمحمدعليه السلام، و منها ما في هذين الكتابين،أن إبراهيم عليه السلام كان حنيفاًمسلماً، و منها أن فيهما أن الدين هوالإسلام.و اعلم أن على هذا القول المحتمل لهذهالوجوه نقول: إن الكفر بالآيات يحتملوجهين: أحدهما: أنهم ما كانوا كافرينبالتوراة بل كانوا كافرين بما يدل عليهالتوراة فأطلق اسم الدليل على المدلول علىسبيل المجاز و الثاني: أنهم كانوا كافرينبنفس التوراة لأنهم كانوا يحرفونها وكانوا ينكرون وجود تلك الآيات الدالة علىنبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم.فأما قوله تعالى: وَ أَنْتُمْتَشْهَدُونَفالمعنى على هذا القول أنهم عند حضورالمسلمين، و عند حضور عوامهم، كانواينكرون اشتمال التوراة و الإنجيل علىالآيات الدالة على نبوّة محمد صلّى اللهعليه وسلّم، ثم إذا خلا بعضهم مع بعض شهدوابصحتها، و مثله قوله تعالى: تَبْغُونَهاعِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ [آل عمران:99].و اعلم أن تفسير الآية بهذا القول، يدلعلى اشتمال هذه الآية على الإخبار عنالغيب لأنه عليه الصلاة و السلام أخبرهمبما يكتمونه في أنفسهم، و يظهرون غيره، ولا شك أن الإخبار عن الغيب معجز.القول الثاني: في تفسير آيات اللّه أنهاهي القرآن و قوله وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَيعني أنكم تنكرون عند العوام كون القرآنمعجزاً ثم تشهدون بقلوبكم و عقولكم كونهمعجزاً.القول الثالث: أن المراد بآيات اللّه جملةالمعجزات التي ظهرت على يد النبي صلّىالله عليه وسلّم و على هذا القول فقولهتعالى: وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ معناهأنكم إنما اعترفتم بدلالة المعجزات التيظهرت على سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدالة على صدقهم، من حيث أنالمعجز قائم مقام التصديق من اللّه تعالىفإذا شهدتم بأن المعجز إنما دل على صدقسائر الأنبياء عليهم الصلاة و السلام منهذا الوجه، و أنتم تشهدون حصول هذا الوجهفي حق محمد صلّى الله عليه وسلّم كان إصراركم على إنكار نبوته و رسالته مناقضاً لماشهدتهم بحقيته من دلالة معجزات سائرالأنبياء عليهم الصلاة و السلام علىصدقهم.
[سورة آلعمران (3): آية 71]
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَالْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُونَالْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)اعلم أن علماء اليهود و النصارى كانت لهمحرفتانإحداهما: أنهم كانوا يكفرون بمحمدصلّى الله عليه وسلّم مع أنهم كانوايعلمون بقلوبهم أنه رسول حق من عند اللّه واللّه تعالى نهاهم عن هذه الحرفة في الآيةالأولىو ثانيتهما: إنهم كانوا يجتهدونفي إلقاء الشبهات، و في إخفاء الدلائل والبينات و اللّه تعالى نهاهم عن هذهالحرفة في هذه الآية الثانية، فالمقامالأول مقام الغواية و الضلالة و المقامالثاني مقام الإغواء و الإضلال، و فيهمسائل:
المسألة الأولى:
قرىء تَلْبِسُونَ بالتشديد، و قرأ يحيىبن و ثاب تَلْبِسُونَ بفتح الباء، أيتلبسون الحق مع الباطل، كقوله عليهالسلام: «كلابس ثوبي زور» و قولهإذا هو بالمجد ارتدى و تأزرا
المسألة الثانية:
اعلم أن الساعي في إخفاء الحق لا سبيل لهإلى ذلك إلا من أحد وجهين: إما بإلقاء شبهةتدل