السؤال الرابع: ما الفائدة في همزةالاستفهام في قوله أَ كَفَرْتُمْ؟.
الجواب: هذا استفهام بمعنى الإنكار، و هومؤكد لما ذكر قبل هذه الآية و هو قوله قُلْيا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَبِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ شَهِيدٌعَلى ما تَعْمَلُونَ قُلْ يا أَهْلَالْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِاللَّهِ [آل عمران: 98، 99].ثم قال تعالى: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِماكُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.و فيه فوائدالأولى: أنه لو لم يذكر ذلكلكان الوعيد مختصاً بمن كفر بعد إيمانه،فلما ذكر هذا ثبت الوعيد لمن كفر بعدإيمانه و لمن كان كافراً أصلياًالثانية:قال القاضي قوله أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَإِيمانِكُمْ يدل على أن الكفر منه لا مناللّه و كذا قوله فَذُوقُوا الْعَذابَبِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ الثالثة: قالتالمرجئة: الآية تدل على أن كل نوع من أنواعالعذاب وقع معللًا بالكفر، و هذا ينفيحصول العذاب لغير الكافر.ثم قال تعالى: وَ أَمَّا الَّذِينَابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِاللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَو فيه سؤالات:
السؤال الأول: ما المراد برحمة اللّه؟
الجواب: قال ابن عباس: المراد الجنة، و قالالمحققون من أصحابنا: هذا إشارة إلى أنالعبد و إن كثرت طاعته فإنه لا يدخل الجنةإلا برحمة اللّه، و كيف لا نقول ذلك والعبد ما دامت داعيته إلى الفعل و إلىالترك على السوية يمتنع منه الفعل؟ فإذنما لم يحصل رجحان داعية الطاعة امتنع أنيحصل منه الطاعة و ذلك الرجحان لا يكون إلابخلق اللّه تعالى، فإذن صدور تلك الطاعةمن العبد نعمة من اللّه في حق العبد فكيفيصير ذلك موجباً على اللّه شيئاً، فثبت أندخول الجنة لا يكون إلا بفضل اللّه وبرحمته و بكرمه لا باستحقاقنا.
السؤال الثاني: كيف موقع قوله هُمْ فِيهاخالِدُونَ بعد قوله فَفِي رَحْمَتِاللَّهِ.
الجواب: كأنه قيل: كيف يكونون فيها؟ فقيلهم فيها خالدون لا يظعنون عنها و لايموتون.
السؤال الثالث: الكفار مخلدون في الناركما أن المؤمنين مخلدون في الجنة، ثم إنهتعالى لم ينص على خلود أهل النار في هذهالآية مع أنه نص على خلود أهل الجنة فيهافما الفائدة؟.
و الجواب: كل ذلك إشعارات بأن جانب الرحمةأغلب، و ذلك لأنه ابتدأ في الذكر بأهلالرحمة و ختم بأهل الرحمة، و لما ذكرالعذاب ما أضافه إلى نفسه، بل قال:فَذُوقُوا الْعَذابَ مع أنه ذكر الرحمةمضافة إلى نفسه حيث قال: فَفِي رَحْمَتِاللَّهِ و لما ذكر العذاب ما نص على الخلودمع أنه نص على الخلود في جانب الثواب، ولما ذكر العذاب علله بفعلهم فقال:فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْتَكْفُرُونَ و لما ذكر الثواب علله برحمتهفقال: فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ ثم قال فيآخر الآية وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماًلِلْعالَمِينَ و هذا جار مجرى الاعتذار عنالوعيد بالعقاب، و كل ذلك مما يشعر بأنجانب الرحمة مغلب، يا أرحم الراحمين لاتحرمنا من برد رحمتك و من كرامة غفرانك وإحسانك.