أنكرت النصارى كلام المسيح عليه السلامفي المهد، و احتجوا على صحة قولهم بأنكلامه في المهد من أعجب الأمور و أغربها، ولا شك أن هذه الواقعة لو وقعت لوجب أن يكونوقوعها في حضور الجمع العظيم الذي يحصلالقطع و اليقين بقولهم، لأن تخصيص مثل هذاالمعجز بالواحد و الإثنين لا يجوز، و متىحدثت الواقعة العجيبة جداً عند حضور الجمعالعظيم فلا بد و أن تتوفر الدواعي علىالنقل فيصير ذلك بالغاً حد التواتر، وإخفاء ما يكون بالغاً إلى حد التواترممتنع، و أيضاً فلو كان ذلك لكان ذلكالإخفاء ههنا ممتنعاً لأن النصارى بالغوافي إفراط محبته إلى حيث قالوا إنه كانإلهاً، و من كان كذلك يمتنع أن يسعى فيإخفاء مناقبه و فضائله بل ربما يجعلالواحد ألفاً فثبت أن لو كانت هذه الواقعةموجودة لكان أولى الناس بمعرفتهاالنصارى، و لما أطبقوا على إنكارها علمناأنه ما كان موجوداً ألبتة.أجاب المتكلمون عن هذه الشبهة، و قالوا:إن كلام عيسى عليه السلام في المهد إنماكان للدلالة على براءة حال مريم عليهاالسلام من الفاحشة، و كان الحاضرون جمعاًقليلين، فالسامعون لذلك الكلام، كانجمعاً قليلًا، و لا يبعد في مثله التواطؤعلى الإخفاء، و بتقدير: أن يذكروا ذلك إلاأن اليهود كانوا يكذبونهم في ذلك وينسبونهم إلى البهت، فهم أيضاً قد سكتوالهذه العلة فلأجل هذه الأسباب بقي الأمرمكتوماً مخفياً إلى أن أخبر اللّه سبحانهو تعالى محمداً صلّى الله عليه وسلّمبذلك، و أيضاً فليس كل النصارى ينكرونذلك، فإنه نقل عن جعفر بن أبي طالب: لما قرأعلى النجاشي سورة مريم، قال النجاشي: لاتفاوت بين واقعة عيسى، و بين المذكور فيهذا الكلام بذرة.ثم قال تعالى: وَ مِنَ الصَّالِحِينَ.فإن قيل: كون عيسى كلمة من اللّه تعالى، وكونه وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ و كونه من المقربين عند اللّهتعالى، و كونه مكلماً للناس في المهد، و فيالكهولة كل واحد من هذه الصفات أعظم و أشرفمن كونه صالحاً فلم ختم اللّه تعالى أوصافعيسى بقوله وَ مِنَ الصَّالِحِينَ؟.قلنا: إنه لا رتبة أعظم من كون المرءصالحاً لأنه لا يكون كذلك إلا و يكون فيجميع الأفعال و التروك مواظباً على النهجالأصلح، و الطريق الأكمل، و معلوم أن ذلكيتناول جميع المقامات في الدنيا و الدينفي