المسألة الثانية:
فلن تكفروه أي لن تمنعوا ثوابه و جزاءه وإنما سمي منع الجزاء كفر لوجهينالأول:أنه تعالى سمى إيصال الثواب شكراً قالاللّه تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌعَلِيمٌ [البقرة: 158] و قال: فَأُولئِكَكانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء: 19]فلما سمى إيصال الجزاء شكراً سمى منعهكفراًو الثاني: أن الكفر في اللغة هو السترفسمي منع الجزاء كفراً، لأنه بمنزلة الجحدو الستر.فإن قيل: لم قال: فلن تكفروه فعداه إلىمفعولين مع أن شكر و كفر لا يتعديان إلاإلى واحد يقال شكر النعمة و كفرها.قلنا: لأنا بينا أن معنى الكفر ههنا هوالمنع و الحرمان، فكان كأنه قال: فلنتحرموه، و لن تمنعوا جزاءه.المسألة الثالثة:
احتج القائلون بالموازنة من الذاهبين إلىالإحباط بهذه الآية فقال: صريح هذه الآيةيدل على أنه لا بد من وصول أثر فعل العبدإليه، فلو انحبط و لم ينحبط من المحبطبمقداره شيء لبطل مقتضى هذه الآية، ونظير هذه الآية قوله تعالى: فَمَنْيَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراًيَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8].ثم قال: وَ اللَّهُ عَلِيمٌبِالْمُتَّقِينَو المعنى أنه تعالى لما أخبر عن عدمالحرمان و الجزاء أقام ما يجري مجرىالدليل عليه و هو أن عدم إيصال الثواب والجزاء إما أن يكون للسهو و النسيان و ذلكمحال في حقه لأنه عليم بكل المعلومات، وإما أن يكون للعجز و البخل و الحاجة و ذلكمحال لأنه إله جميع المحدثات، فاسم اللّهتعالى يدل على عدم العجز و البخل و الحاجة،و قوله عَلِيمٌ يدل على عدم الجهل، و إذاانتفت هذه الصفات امتنع المنع من الجزاء،لأن منع الحق لا بد و أن يكون لأجل هذهالأمور و اللّه أعلم، إنما قال: عَلِيمٌبِالْمُتَّقِينَ مع أنه عالم بالكل بشارةللمتقين بجزيل الثواب و دلالة على أنه لايفوز عنده إلا أهل التقوى.[سورة آلعمران (3): آية 116]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَعَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لاأَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيهاخالِدُونَ (116)اعلم أنه تعالى ذكر في هذه الآيات مرةأحوال الكافرين في كيفية العقاب، و أخرىأحوال المؤمنين في الثواب جامعاً بينالزجر و الترغيب و الوعد و الوعيد، فلماوصف من آمن من الكفار بما تقدم من الصفاتالحسنة أتبعه تعالى بوعيد الكفار، فقال:إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَعَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لاأَوْلادُهُمْ و في الآية مسائل:المسألة الأولى:
في قوله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواقولانالأول: المراد منه بعض الكفار ثمالقائلون بهذا القول ذكروا وجوهاًأحدها:قال ابن عباس: يريد قريظة و النضير، و ذلكلأن مقصود رؤساء اليهود في معاندة الرسولما كان إلا المال و الدليل عليه قوله تعالىفي سورة البقرة وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِيثَمَناً قَلِيلًا [البقرة: 41] وثانيها:أنها نزلت في مشركي قريش، فإن أبا جهل كانكثير الافتخار بماله و لهذا السبب نزل فيهقوله(1) ليست هذه آية إنما المثبت في المصحف وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّإِلَيْكُمْ [البقرة: 272].(2) ليست هذه آية إنما المثبت في المصحف وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْخَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:110].