[في قوله تعالى وَ إِذْ قالَتِالْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَاصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِعَلى نِساءِ الْعالَمِينَ]و فيه مسائل:
المسألة الأولى:
عامل الإعراب ههنا في إِذْ هو ما ذكرناهفي قوله إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ[آل عمران: 35] من قوله السَّمِيعُالْعَلِيمُ ثم عطف عليه إِذْ قالَتِالْمَلائِكَةُ و قيل: تقديره و اذكر إذقالت الملائكة.
المسألة الثانية:
قالوا المراد بالملائكة ههنا جبريل وحده،و هذا كقوله يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَبِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ [النحل: 2] يعنيجبريل، و هذا و إن كان عدولًا عن الظاهرإلا أنه يجب المصير إليه، لأن سورة مريمدلت على أن المتكلم مع مريم عليها السلامهو جبريل عليه السلام، و هو قولهفَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنافَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا [مريم:17].
المسألة الثالثة:
اعلم أن مريم عليها السلام ما كانت منالأنبياء لقوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنامِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِيإِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [يوسف:109] و إذا كان كذلك كان إرسال جبريل عليهالسلام إليها إما أن يكون كرامة لها، و هومذهب من يجوز كرامات الأولياء، أو إرهاصاًلعيسى عليه السلام، و ذلك جائز عندنا، وعند الكعبي من المعتزلة، أو معجزة لزكرياءعليه السلام، و هو قول جمهور المعتزلة، ومن الناس من قال: إن ذلك كان على سبيل النفثفي الروع و الإلهام و الإلقاء في القلب،كما كان في حق أم موسى عليه السلام في قولهوَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى[القصص: 7].
المسألة الرابعة:
اعلم أن المذكور في هذه الآيةأولًا: هوالاصطفاء، و ثانياً: التطهير، و ثالثاً:الاصطفاء على نساء العالمين، و لا يجوز أنيكون الاصطفاء أولًا من الاصطفاء الثاني،لما أن التصريح بالتكرير غير لائق، فلا بدمن صرف الاصطفاء الأول إلى ما اتفق لها منالأمور الحسنة في أول عمرها، و الاصطفاءالثاني إلى ما اتفق لها في آخر عمرها.النوع الأول من الاصطفاء: فهو أمورأحدها:أنه تعالى قبل تحريرها مع أنها كانت أنثى ولم يحصل مثل هذا المعنى لغيرها منالإناثوثانيها: قال الحسن: إن أمها لماوضعتها ما غذتها طرفة عين، بل ألقتها إلىزكريا، و كان رزقها يأتيها من الجنةوثالثها: أنه تعالى فرغها لعبادته، و خصهافي هذا المعنى بأنواع اللطف و الهداية والعصمةو رابعها: أنه كفاها أمر معيشتها،فكان يأتيها رزقها من عند اللّه تعالى علىما قال اللّه تعالى: