ظاهر الآية يدل على أنهم كانوا يلقونأقلامهم في شيء على وجه يظهر به امتيازبعضهم عن البعض في استحقاق ذلك المطلوب، وإما ليس فيه دلالة على كيفية ذلك الإلقاء،إلا أنه روي في الخبر أنهم كانوا يلقونهافي الماء بشرط أن من جرى قلمه على خلاف جريالماء فاليد له، ثم إنه حصل هذا المعنىلزكريا عليه السلام، فلا جرم صار هو أولىبكفالتها و اللّه أعلم.
المسألة الثالثة:
اختلفوا في السبب الذي لأجله رغبوا فيكفالتها حتى أدتهم تلك الرغبة إلىالمنازعة، فقال بعضهم: إن عمران أباها كانرئيساً لهم و مقدماً عليهم، فلأجل حقأبيها رغبوا في كفالتها، و قال بعضهم: إنأمها حررتها لعبادة اللّه تعالى و لخدمةبيت اللّه تعالى، و لأجل ذلك حرصوا علىالتكفل بها، و قال آخرون: بل لأن في الكتبالإلهية كان بيان أمرها و أمر عيسى عليهالسلام حاصلًا فتقربوا لهذا السبب حتىاختصموا.
المسألة الرابعة:
اختلفوا في أن أولئك المختصمين من كانوا؟فمنهم من قال: كانوا هم خدمة البيت، و منهممن قال: بل العلماء و الأحبار و كتابالوحي، و لا شبهة في أنهم كانوا من الخواصو أهل الفضل في الدين و الرغبة في الطريق.أما قوله: أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَففيه حذف و التقدير: يلقون أقلامهملينظروا أيهم يكفل مريم و إنما حسن لكونهمعلوماً.
أما قوله وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْيَخْتَصِمُونَ
فالمعنى و ما كنت هناك إذ يتقارعون علىالتكفل بها و إذ يختصمون بسببها فيحتمل أنيكون المراد بهذا الاختصام ما كان قبلالإقراع، و يحتمل أن يكون اختصاماً آخرحصل بعد الإقراع، و بالجملة فالمقصود منالآية شدة رغبتهم في التكفل بشأنها، والقيام بإصلاح مهماتها، و ما ذاك إلالدعاء أمها حيث قالت فَتَقَبَّلْ مِنِّيإِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[آل عمران: 35] و قالت إِنِّي أُعِيذُها بِكَوَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِالرَّجِيمِ [آل عمران: 36].
[سورة آلعمران (3): الآيات 45 الى 46]
إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُإِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍمِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُمَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَ مِنَ الصَّالِحِينَ (46)اعلم أنه تعالى لما شرح حال مريم عليهاالسلام، في أول أمرها و في آخر أمرها و شرحكيفية ولادتها لعيسى عليه السلام، فقال:إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ و فيه مسألتان: