قال المحققونالأول: هو الفرد السابق،فإذا قال: أول عبد اشتريه فهو حر فلو اشترىعبدين في المرة الأولى لم يعتق أحد منهمالأن الأول هو الفرد، ثم لو اشترى في المرةالثانية عبداً واحداً لم يعتق، لأن شرطالأول كونه سابقاً فثبت أن الأول هو الفردالسابق.إذا عرفت هذا فنقول: إن قوله تعالى: إِنَّأَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لا يدلعلى أنه أول بيت خلقه اللّه تعالى، و لاأنه أول بيت ظهر في الأرض، بل ظاهر الآيةيدل على أنه أول بيت وضع للناس، و كونهموضوعاً للناس يقتضي كونه مشتركاً فيه بينجميع الناس، فأما سائر البيوت فيكون كلواحد منها مختصاً بواحد من الناس فلا يكونشيء من البيوت موضوعاً للناس، و كونالبيت مشتركاً فيه بين كل الناس، لا يحصلإلا إذا كان البيت موضوعاً للطاعات والعبادات و قبلة للخلق، فدل قوله تعالى:إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِعلى أن هذا البيت وضعه اللّه موضعاًللطاعات و الخيرات و العبادات فيدخل فيهكون هذا البيت قبلة للصلوات، و موضعاًللحج، و مكانا يزداد ثواب العبادات والطاعات فيه.فإن قيل: كونه أولًا في هذا الوصف يقتضي أنيكون له ثان، و هذا يقتضي أن يكون بيتالمقدس يشاركه في هذه الصفات التي منهاوجوب حجه، و معلوم أنه ليس كذلك.و الجواب: من وجهينالأول: أن لفظالأول:في اللغة اسم للشيء الذي يوجد ابتداء،سواء حصل عقيبه شيء آخر أو لم يحصل، يقال:هذا أول قدومي مكة، و هذا أول مال أصبته ولو قال: أول عبد ملكته فهو حر فملك عبداًعتق و إن لم يملك بعده عبداً آخر، فكذاهنا، و الثاني: أن المراد من قوله إِنَّأَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ أي أولبيت وضع لطاعات الناس و عباداتهم و بيتالمقدس يشاركه في كونه بيتاً موضوعاًللطاعات و العبادات، بدليل قوله عليهالصلاة و السلام: «لا تشد الرحال إلا إلىثلاث مساجد: المسجد الحرام، و المسجدالأقصى، و مسجدي هذا» فهذا القدر يكفي فيصدق كون الكعبة أول بيت وضع للناس، و أماأن يكون بيت المقدس مشاركاً له في جميعالأمور حتى في وجوب الحج، فهذا غير لازم واللّه أعلم.
المسألة الثانية:
اعلم أن قوله إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍوُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَمُبارَكاً يحتمل أن يكون المراد كونهأولًا