فقال ابن جرير الطبري: معناه و اذكروا ياأهل الكتاب إذ أخذ اللّه ميثاق النبيّين،و قال الزجاج: و اذكر يا محمد في القرآن إذأخذ اللّه ميثاق النبيّين.
أما قوله مِيثاقَ النَّبِيِّينَ
فاعلم أن المصدر يجوز إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول، فيحتمل أن يكون الميثاقمأخوذاً منهم، و يحتمل أن يكون مأخوذاًلهم من غيرهم، فلهذا السبب اختلفوا فيتفسير هذه الآية على هذين الوجهين.أما الإحتمال الأول: و هو أنه تعالى أخذالميثاق منهم في أن يصدق بعضهم بعضاً، وهذا قول سعيد بن جبير و الحسن و طاوس رحمهماللّه، و قيل: إن الميثاق هذا مختص بمحمدصلّى الله عليه وسلّم، و هو مروي عن علي وابن عباس و قتادة و السدي رضوان اللّهعليهم، و احتج أصحاب هذا القول على صحته منوجوهالأول: أن قوله تعالى: وَ إِذْأَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَيشعر بأن آخذ الميثاق هو اللّه تعالى، والمأخوذ منهم هم النبيون، فليس في الآيةذكر الأمة، فلم يحسن صرف الميثاق إلىالأمة، و يمكن أن يجاب عنه من وجوهالأول:أن على الوجوه الذي قلتم يكون الميثاقمضافاً إلى الموثق عليه، و على الوجه الذيقلنا يكون إضافته إليهم إضافة الفعل إلىالفاعل، و هو الموثق له، و لا شك أن إضافةالفعل إلى الفاعل أقوى من إضافته إلىالمفعول، فإن لم يكن فلا أقل من المساواة،و هو كما يقال ميثاق اللّه و عهده، فيكونالتقدير: و إذ أخذ اللّه الميثاق الذي وثقهاللّه للأنبياء على أممهمالثاني: أنيراد ميثاق أولاد النبيّين، و هو بنوإسرائيل على حذف المضاف و هو كما يقال: فعلبكر بن وائل كذا، و فعل معد بن عدنان كذا، والمراد أولادهم وقومهم، فكذا ههناالثالث:أن يكون المراد من لفظ النَّبِيِّينَ أهلالكتاب و أطلق هذا اللفظ عليهم تهكماً بهمعلى زعمهم لأنهم كانوا يقولون نحن أولىبالنبوّة من محمد عليه الصلاة و السلاملأنا أهل الكتاب و منا كانالنبيونالرابع: أنه كثيراً ورد فيالقرآن لفظ النبي و المراد منه أمته قالتعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذاطَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الطلاق: 1].الحجة الثانية: لأصحاب هذا القول: ما رويأنه عليه الصلاة و السلام قال: «لقد جئتكمبها بيضاء نقية أما و اللّه لو كان موسى بنعمران حياً لما وسعه إلا اتباعي».الحجة الثالثة: ما نقل عن علي رضي اللّهعنه أنه قال: إن اللّه تعالى ما بعث آدمعليه السلام و من بعده من الأنبياء عليهمالصلاة و السلام إلا أخذ عليهم العهد لئنبعث محمد عليه الصلاة و السلام و هو حيليؤمنن به و لينصرنه، فهذا يمكن نصرة هذاالقول به و اللّه أعلم.الإحتمال الثاني: إن المراد من الآية أنالأنبياء عليهم الصلاة و السلام كانوايأخذون الميثاق من أممهم بأنه إذا بعثمحمد صلّى الله عليه وسلّم فإنه يجب عليهمأن يؤمنوا به و أن ينصروه، و هذا قول كثيرمن العلماء، و قد بينا أن اللفظ محتمل له وقد احتجوا على صحته بوجوهالأول: ما ذكرهأبو مسلم الأصفهاني فقال: ظاهر الآية يدلعلى أن الذين