مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِآدَمَ أي صفته كصفة آدم و نظيره قولهتعالى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَالْمُتَّقُونَ [الرعد: 35] أي صفة الجنة.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ليسبصلة لآدم و لا صفة و لكنه خبر مستأنف علىجهة التفسير بحال آدم، قال الزجاج: هذا كماتقول في الكلام مثلك كمثل زيد، تريد أنتشبهه به في أمر من الأمور، ثم تخبر بقصةزيد فتقول فعل كذا و كذا.
المسألة الثالثة:
اعلم أن العقل دل على أنه لا بد للناس منوالد أول، و إلا لزم أن يكون كل ولد مسبوقبوالد لا إلى أول و هو محال، و القرآن دلعلى أن ذلك الوالد الأول هو آدم عليهالسلام كما في هذه الآية، و قال:يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوارَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْنَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْهازَوْجَها [النساء: 1] و قال: هُوَ الَّذِيخَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها [الأعراف: 189] ثمإنه تعالى ذكر في كيفية خلق آدم عليهالسلام وجوهاً كثيرةأحدها: أنه مخلوق منالتراب كما في هذه الآيةو الثاني: أنهمخلوق من الماء، قال اللّه تعالى: وَ هُوَالَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراًفَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً [الفرقان:54] و الثالث: أنه مخلوق من الطين قال اللّهتعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍخَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِمِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْسُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ [السجدة: 7، 8] والرابع: أنه مخلوق من سلالة من طين قالتعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَمِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّجَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ[المؤمنون: 12، 13] الخامس: أنه مخلوق من طينلازب قال تعالى: إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْطِينٍ لازِبٍ [الصافات: 11] السادس: إنهمخلوق من صلصال قال تعالى: إِنِّي خالِقٌبَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍمَسْنُونٍ [الحجر: 28] السابع: أنه مخلوق منعجل، قال تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْعَجَلٍ [الأنبياء: 37] الثامن: قال تعالى:لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ[البلد: 4] أما الحكماء فقالوا: إنما خلق آدمعليه السلام من تراب لوجوه: الأول: ليكونمتواضعاًالثاني: ليكون ستاراًالثالث:ليكون أشد التصاقاً بالأرض، و ذلك لأنهإنما خلق لخلافة أهل الأرض، قال تعالى:إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[البقرة: 30] الرابع: أراد إظهار القدرة فخلقالشياطين من النار التي هي أضوأ الأجرام وابتلاهم بظلمات الضلالة، و خلق الملائكةمن الهواء الذي هو ألطف الأجرام و أعطاهمكمال الشدة و القوة، و خلق آدم عليه السلاممن التراب الذي هو أكثف الأجرام، ثم أعطاهالمحبة و المعرفة و النور و الهداية، و خلقالسموات من أمواج مياه البحار و أبقاهامعلقة في الهواء حتى يكون خلقه هذهالأجرام برهاناً باهراً و دليلًا ظاهراًعلى أنه تعالى هو المدبر بغير احتياج، والخالق بلا مزاج و علاجالخامس:خلق الإنسان من تراب ليكون مطفئاً لنارالشهوة، و الغضب، و الحرص، فإن هذهالنيران لا تطفأ إلا بالتراب و إنما خلقهمن الماء ليكون صافياً تتجلى فيه صورالأشياء، ثم إنه تعالى مزج بين الأرض والماء ليمتزج الكثيف فيصير طيناً و هوقوله إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ثمإنه في المرتبة الرابعة قال: وَ لَقَدْخَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍمِنْ طِينٍ و السلالة بمعنى المفعولةلأنها هي التي تسل من ألطف أجزاء الطين، ثمإنه في المرتبة السادسة أثبت له من الصفاتثلاثة أنواع: