قال القاضي: قوله تعالى: لِمَ تَكْفُرُونَو لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِدال على أن ذلك فعلهم، لأنه لا يجوز أنيخلقه فيهم، ثم يقول: لم فعلتم؟ و جوابه: أنالفعل يتوقف على الداعية فتلك الداعية إنحدثت لا لمحدث لزم نفي الصانع، و إن كانمحدثها هو العبد افتقر إلى إرادة أخرى و إنكان محدثها هو اللّه تعالى لزمكم ماألزمتموه علينا و اللّه أعلم.
[سورة آلعمران (3): آية 72]
وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِالْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَعَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَالنَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم يلبسونالحق بالباطل أردف ذلك بأن حكى عنهم نوعاًواحداً من أنواع تلبيساتهم، و هو المذكورفي هذه الآية و ههنا مسائل:
المسألة الأولى:
قول بعضهم لبعض آمِنُوا بِالَّذِيأُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَالنَّهارِ و يحتمل أن يكون المراد كل ماأنزل و أن يكون المراد بعض ما أنزل.أما الاحتمال الأول: ففيه وجوهالأول: أناليهود و النصارى استخرجوا حيلة في تشكيكضعفه المسلمين في صحة الإسلام، و هو أنيظهروا تصديق ما ينزل على محمد صلّى اللهعليه وسلّم من الشرائع في بعض الأوقات، ثميظهروا بعد ذلك تكذيبه، فإن الناس متىشاهدوا هذا التكذيب، قالوا: هذا التكذيبليس لأجل الحسد و العناد، و إلا لما آمنوابه في أول الأمر و إذا لم يكن هذا التكذيبلأجل الحسد و العناد وجب أن يكون ذلك لأجلأنهم أهل الكتاب و قد تفكروا في أمره واستقصوا في البحث عن دلائل نبوته فلاح لهمبعد التأمل التام، و البحث الوافي أنهكذاب، فيصير هذا الطريق شبهة لضعفةالمسلمين في صحة نبوته، و قيل: تواطأ اثناعشر رجلًا من أحبار يهود خيبر على هذاالطريق.