المسألة الأولى: - مفاتیح الشرائع جلد 8
لطفا منتظر باشید ...
رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنامَعَ الشَّاهِدِينَ
و ذلك لأن القوم آمنوا باللّه حين قالوا:في الآية المتقدمة آمَنَّا بِاللَّهِ ثمآمنوا بكتب اللّه تعالى حيث قالوا آمَنَّابِما أَنْزَلْتَ و آمنوا برسول اللّه حيث،قالوا وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فعندذلك طلبوا الزلفة و الثواب، فقالوافَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ و هذايقتضى أن يكون للشاهدين فضل يزيد على فضلالحواريين، و يفضل على درجته، لأنهم همالمخصوصون بأداء الشهادة قال اللّه تعالى:وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاًلِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً[البقرة: 143] الثاني: و هو منقول أيضا عن ابنعباس فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ أياكتبنا في زمرة الأنبياء لأن كل نبي شاهدلقومه قال اللّه تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّالَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف:6].
و قد أجاب اللّه دعاءهم و جعلهم أنبياء ورسلا، فأحيوا الموتى، و صنعوا كل ما صنععيسى عليه السلام.
و القول الثالث: فَاكْتُبْنا مَعَالشَّاهِدِينَ أي اكتبنا في جملة من شهدلك بالتوحيد و لأنبيائك بالتصديق، والمقصود من هذا أنهم لما أشهدوا عيسى عليهالسلام على إسلام أنفسهم، حيث قالوا وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ فقد أشهدوااللّه تعالى على ذلك تأكيدا للأمر، وتقوية له، و أيضا طلبوا من اللّه مثل ثوابكل مؤمن شهد للّه بالتوحيد و لأنبيائهبالنبوّة.
القول الرابع: إن قوله فَاكْتُبْنا مَعَالشَّاهِدِينَ إشارة إلى أن كتاب الأبرارإنما يكون في السموات مع الملائكة قالاللّه تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتابَالْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ[المطففين: 18] فإذا كتب اللّه ذكرهم معالشاهدين المؤمنين كان ذكرهم مشهورا فيالملأ الأعلى و عند الملائكة المقربين.
القول الخامس: إنه تعالى قال: شَهِدَاللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ [آلعمران: 18] فجعل أولو العلم من الشاهدين، وقرن ذكرهم بذكر نفسه، و ذلك درجة عظيمة، ومرتبة عالية، فقالوا: فَاكْتُبْنا مَعَالشَّاهِدِينَ أي اجعلنا من تلك الفرقةالذين قرنت ذكرهم بذكرك.
و القول السادس: أن جبريل عليه السلام لماسأل محمدا صلّى الله عليه وسلّم عنالإحسان فقال: «أن تعبد اللّه كأنك تراه» وهذا غاية درجة العبد في الاشتغالبالعبودية، و هو أن يكون العبد في مقامالشهود، لا في مقام الغيبة، فهؤلاء القوملما صاروا كاملين في درجة الاستدلالأرادوا الترقي من مقام الاستدلال، إلىمقام الشهود و المكاشفة، فقالوافَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ.
القول السابع: إن كل من كان في مقام شهودالحق لم يبال بما يصل إليه من المشاق والآلام، فلما قبلوا من عيسى عليه السلامأن يكونوا ناصرين له، ذابين عنه، قالوافَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ أياجعلنا ممن يكون في شهود جلالك، حتى نصيرمستحقرين لكل ما يصل إلينا من المشاق والمتاعب فحينئذ يسهل علينا الوفاء بماالتزمناه من نصرة رسولك و نبيك.
ثم قال تعالى: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَاللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَو فيه مسائل:
المسألة الأولى:
أصل المكر في اللغة، السعي بالفساد فيخفية و مداجاة، قال الزجاج: يقال مكرالليل، و أمكر إذا أظلم، و قال اللّهتعالى: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَكَفَرُوا [الأنفال: 30] و قال: وَ ما كُنْتَلَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْوَ هُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف: 102] و قيل أصلهمن اجتماع الأمر و إحكامه، و منه امرأهممكورة أي مجتمعة