قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِتُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْتَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَعَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُاللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُالنَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ تُخْرِجُالْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُالْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ تَرْزُقُمَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27)إعلم أنه تعالى لما ذكر دلائل التوحيد والنبوّة، و صحة دين الإسلام، ثم قاللرسوله فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْأَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَ مَنِاتَّبَعَنِ [آل عمران: 20] ثم ذكر من صفاتالمخالفين كفرهم باللّه، و قتلهمالأنبياء و الصالحين بغير حق، و ذكر شدةعنادهم و تمردهم في قوله أَ لَمْ تَرَإِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَالْكِتابِ [آل عمران: 23] ثم ذكر شدة غرورهمبقوله لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّاأَيَّاماً مَعْدُوداتٍ [آل عمران: 24] ثمذكر وعيدهم بقوله فَكَيْفَ إِذاجَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ[آل عمران: 25] أمر رسول اللّه صلّى اللهعليه وسلّم بدعاء و تمجيد يدل على مباينةطريقه و طريق أتباعه، لطريقة هؤلاءالكافرين المعاندين المعرضين، فقالمعلماً نبيّه كيف يمجد و يعظم و يدعو ويطلبقُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ و فيالآية مسائل:
المسألة الأولى:
اختلف النحويون في قوله اللَّهُمَّ فقالالخليل و سيبويه اللَّهُمَّ معناه: يااللّه، و الميم المشددة عوض من: يا، و قالالفرّاء: كان أصلها، يا اللّه أم بخير:فلما كثر في الكلام حذفوا حرف النداء، وحذفوا الهمرة من: أم، فصار اللَّهُمَّ ونظيره قول العرب: هلم، و الأصل: هل، فضم: أمإليها، حجة الأولين على فساد قول الفرّاءوجوهالأول: لو كان الأمر على ما قالهالفراء لما صحّ أن يقال: اللّهم افعل كذاإلا بحرف العطف، لأن التقدير: يا اللّهأمنا و اغفر لنا، و لم نجد أحدا يذكر هذاالحرف العاطفو الثاني: و هو حجة الزجاجأنه لو كان الأمر كما قال، لجاز أن يتكلمبه على أصله، فيقال (اللّه أم) كما يقال (ويلم) ثم يتكلم به على الأصل فيقال (ويل أمه)الثالث: لو كان الأمر على ما قاله الفراءلكان حرف النداء محذوفا، فكان يجوز أنيقال: يا اللّهم، فلما لم يكن هذا جائزاًعلمنا فساد قول الفراء بل نقول: كان يجب أنيكون حرف النداء لازماً، كما يقال: يااللّه اغفر لي، و أجاب الفراء عن هذهالوجوه، فقال: أما الأول فضعيف، لأن قوله(يا اللّه أم) معناه: يا اللّه اقصد، فلوقال: و اغفر لكان المعطوف مغايراً للمعطوفعليه فحينئذ يصير السؤال سؤالينأحدهما:قوله فَآمَنَّا و الثاني: قوله فَاغْفِرْلَنا [البقرة: 286] أما إذا حذفنا العطف صارقوله: اغفر لنا تفسيراً لقوله: أمنا. فكانالمطلوب في الحالين شيئاً واحداً فكان ذلكآكد، و نظائره كثيرة في القرآن، و أماالثاني فضعيف أيضاً، لأن أصله عندنا أنيقال: يا اللّه أمنا. و من الذي ينكر جوازالتكلم بذلك، و أيضاً فلأن كثيراً منالألفاظ لا يجوز فيها إقامة الفرع مقامالأصل، أ لا ترى أن مذهب الخليل و سيبويهأن قوله: ما أكرمه، معناه أي شيء أكرمه ثمإنه قط لا يستعمل