العامل في إِذْ قوله وَ مَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُالْماكِرِينَ أي وجد هذا المكر إذ قالاللّه هذا القول، و قيل التقدير: ذاك إذقال اللّه.المسألة الثانية: اعترفوا بأن اللّهتعالى شرف عيسى في هذه الآية بصفات:
الصفة الأولى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ
و نظيره قوله تعالى حكاية عنه فَلَمَّاتَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَالرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة: 117] واختلف أهل التأويل في هاتين الآيتين علىطريقينأحدهما: إجراء الآية على ظاهرهامن غير تقديم، و لا تأخير فيهاو الثاني:فرض التقديم و التأخير فيها، أما الطريقالأول فبيانه من وجوهالأول: معنى قولهإِنِّي مُتَوَفِّيكَ أي متمم عمرك،فحينئذ أتوفاك، فلا أتركهم حتى يقتلوك، بلأنا رافعك إلى سمائي، و مقربك بملائكتي، وأصونك عن أن يتمكنوا من قتلك و هذا تأويلحسنو الثاني: مُتَوَفِّيكَ أي مميتك، وهو مروي عن ابن عباس، و محمد بن إسحاققالوا: و المقصود أن لا يصل أعداؤه مناليهود إلى قتله ثم إنه بعد ذلك أكرمه بأنرفعه إلى السماء ثم اختلفوا على ثلاثةأوجهأحدها: قال وهب: توفي ثلاث ساعات، ثمرفعو ثانيها: قال محمد بن إسحاق: توفي سبعساعات، ثم أحياه اللّه و رفعهالثالث: قالالربيع بن أنس: أنه تعالى توفاه حين رفعهإلى السماء، قال تعالى: اللَّهُيَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهاوَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها[الزمر: 42].الوجه الرابع: في تأويل الآية أن الواو فيقوله مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّتفيد الترتيب فالآية تدل على أنه تعالىيفعل به هذه الأفعال، فأما كيف يفعل، و متىيفعل، فالأمر فيه موقوف على الدليل، و قدثبت الدليل أنه حي و ورد الخبر عن النبيصلّى الله عليه وسلّم: «أنه سينزل و يقتلالدجال» ثم إنه تعالى يتوفاه بعد ذلك.الوجه الخامس: في التأويل ما قاله أبو بكرالواسطي، و هو أن المراد إِنِّيمُتَوَفِّيكَ عن شهواتك و حظوظ نفسك، ثمقال: وَ رافِعُكَ إِلَيَّ و ذلك لأن من لميصر فانياً عما سوى اللّه لا يكون له وصولإلى مقام معرفة اللّه، و أيضاً فعيسى لمارفع إلى السماء صار حاله كحال الملائكة فيزوال الشهوة، و الغضب و الأخلاق الذميمة.و الوجه السادس: إن التوفي أخذ الشيءوافياً، و لما علم اللّه إن من الناس منيخطر بباله أن الذي رفعه اللّه هو روحه لاجسده ذكر هذا الكلام ليدل على أنه عليهالصلاة و السلام رفع بتمامه إلى السماءبروحه و بجسده و يدل على صحة هذا التأويلقوله تعالى: وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْشَيْءٍ [النساء: 113].و الوجه السابع: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ أيأجعلك كالمتوفى لأنه إذا رفع إلى السماء وانقطع خبره و أثره عن الأرض كان كالمتوفى،و إطلاق اسم الشيء على ما يشابهه في أكثرخواصه و صفاته جائز حسن.الوجه الثامن: إن التوفي هو القبض يقال: وفاني فلان دراهمي و أوفاني و توفيتها منه،كما يقال: سلم فلان دراهمي إلي و تسلمتهامنه، و قد يكون أيضاً توفي بمعنى استوفى وعلى كلا الاحتمالين كان إخراجه من