قوله وَ نَبِيًّا و اعلم أن السيادة إشارةإلى أمرينأحدهما: قدرته على ضبط مصالحالخلق فيما يرجع إلى تعليم الدينوالثاني: ضبط مصالحهم فيما يرجع إلىالتأديب و الأمر بالمعروف و النهي عنالمنكر، و أما الحصور فهو إشارة إلى الزهدالتام فلما اجتمعا حصلت النبوة بعد ذلك،لأنه ليس بعدهما إلا النبوة.
الصفة الخامسة:
قوله مِنَ الصَّالِحِينَ و فيه ثلاثةأوجهالأول: معناه أنه من أولادالصالحينو الثاني: أنه خير كما يقال فيالرجل الخير (إنه من الصالحين) و الثالث: أنصلاحه كان أتم من صلاح سائر الأنبياء،بدليل قوله عليه الصلاة و السلام: «ما مننبي إلا و قد عصى، أو هم بمعصية غير يحيىفإنه لم يعص و لم يهم».فإن قيل: لما كان منصب النبوة أعلى من منصبالصلاح فلما وصفه بالنبوة فما الفائدة فيوصفه بعد ذلك بالصلاح؟ قلنا: أليس أنسليمان عليه السلام بعد حصول النبوة قال:وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِيعِبادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل: 19] و تحقيقالقول فيه: أن للأنبياء قدراً من الصلاح لوانتقص لانتفت النبوة، فذلك القدر بالنسبةإليهم يجري مجرى حفظ الواجبات بالنسبةإلينا، ثم بعد اشتراكهم في ذلك القدرتتفاوت درجاتهم في الزيادة على ذلك القدر،و كل من كان أكثر نصيباً منه كان أعلىقدراً و اللّه أعلم.قوله تعالى: قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُلِي غُلامٌ في الآية سؤالات:
السؤال الأول:
قوله رَبِّ خطاب مع اللّه أو مع الملائكة،لأنه جائز أن يكون خطاباً مع اللّه، لأنالآية المتقدمة دلت على أن الذين نادوه همالملائكة، و هذا الكلام لا بد أن يكونخطاباً مع ذلك المنادي لا مع غيره، و لاجائز أن يكون خطاباً مع الملك، لأنه لايجوز للإنسان أن يقول للملك: يا رب.و الجواب: للمفسرين فيه قولانالأول: أنالملائكة لما نادوه بذلك و بشروه به تعجبزكريا عليه السلام و رجع في إزالة ذلكالتعجب إلى اللّه تعالىو الثاني: أنهخطاب مع الملائكة و الرب إشارة إلىالمربي، و يجوز وصف المخلوق به، فإنه يقال:فلان يربيني و يحسن إلي.
السؤال الثاني:
لما كان زكريا عليه السلام هو الذي سألالولد، ثم أجابه اللّه تعالى إليه فلمتعجب منه و لم استبعده؟ الجواب: لم يكن هذاالكلام لأجل أنه كان شاكاً في قدرة اللّهتعالى على ذلك و الدليل عليه وجهان الأول:أن كل أحد يعلم أن خلق الولد من النطفةإنما كان على سبيل العادة لأنه لو كان لانطفة إلا من خلق، و لا خلق إلا من نطفة، لزمالتسلسل و لزم حدوث الحوادث في الأزل و هومحال، فعلمنا أنه لا بد من الانتهاء إلىمخلوق خلقه اللّه تعالى لا من نطفة أو مننطفة خلقها اللّه تعالى لا من إنسان.و الوجه الثاني: أن زكريا عليه السلام طلبذلك من اللّه تعالى، فلو كان ذلك محالًاممتنعاً لما طلبه من اللّه تعالى، فثبتبهذين الوجهين أن قوله أَنَّى يَكُونُ لِيغُلامٌ ليس للاستبعاد، بل ذكر العلماء فيهوجوهاً الأول: أنه قوله أَنَّى معناه: منأين. و يحتمل أن يكون معناه: كيف تعطي ولداًعلى القسم الأول أم على القسم الثاني، وذلك لأن حدوث الولد يحتمل وجهينأحدهما:أن يعيد اللّه شبابه ثم يعطيه الولد مع