الصفة الثالثة: من صفات هذا البيت كونههُدىً لِلْعالَمِينَ و فيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قيل: المعنى أنه قبلة للعالمين يهتدون بهإلى جهة صلاتهم، و قيل: هدى للعالمين أيدلالة على وجود الصانع المختار، و صدقمحمد صلّى الله عليه وسلّم في النبوّة بمافيه من الآيات التي ذكرناها و العجائبالتي حكيناها فإن كل ما يدل على النبوة فهوبعينه يدل أولا على وجود الصانع، و جميعصفاته من العلم و القدرة و الحكمة والاستغناء، و قيل: هدىً للعالمين إلىالجنة لأن من أدى الصلوات الواجبة إليهااستوجب الجنة.
المسألة الثانية:
قال الزجاج: المعنى و ذا هدىً للعالمين،قال: و يجوز أن يكون وَ هُدىً في موضع رفععلى معنى و هو هدى.أما قوله تعالى: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌففيه قولانالأول: أن المراد ما ذكرناهمن الآيات التي فيه و هي: أمن الخائف، وإنمحاق الجمار على كثرة الرمي، و امتناعالطير من العلو عليه و استشفاء المريض به وتعجيل العقوبة لمن انتهك فيه حرمة، وإهلاك أصحاب الفيل لما قصدوا تخريبه فعلىهذا تفسير الآيات و بيانها غير مذكور.و قوله مَقامُ إِبْراهِيمَ لا تعلق لهبقوله فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ فكأنه تعالىقال: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ و مع ذلك فهومقام إبراهيم و مقره و الموضع الذي اختارهو عبد اللّه فيه، لأن كل ذلك من الخلالالتي بها يشرف و يعظم.القول الثاني: أن تفسير الآيات مذكور، وهو قوله مَقامُ إِبْراهِيمَ أي: هي مقامإبراهيم.فإن قيل: الآيات جماعة و لا يصح تفسيرهابشيء واحد، أجابوا عنه من وجوهالأول:أن مقام إبراهيم بمنزلة آيات كثيرة، لأنما كان معجزة لرسول اللّه صلّى الله عليهوسلّم، فهو دليل على وجود الصانع، و علمهوقدرته و إرادته و حياته، و كونه غنياًمنزّهاً مقدساً عن مشابهة المحدثات فمقامإبراهيم و إن كان شيئاً واحداً إلا أنه لماحصل فيه هذه الوجوه الكثيرة كان بمنزلةالدلائل كقوله إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَأُمَّةً قانِتاً [النحل: 120] الثاني: أنمقام إبراهيم اشتمل على الآيات، لأن أثرالقدم في الصخرة الصماء آية، و غوصه فيهاإلى الكعبين آية، و إلانة بعض الصخرة دونبعض آية، لأنه لان من الصخرة ما تحت قدميهفقط، و إبقاؤه دون سائر آيات الأنبياءعليهم السلام آية خاصة لإبراهيم عليهالسلام و حفظه مع كثرة أعدائه من اليهود والنصارى و المشركين و الملحدين ألوف سنينفثبت أن مقام إبراهيم عليه السلام آياتكثيرةالثالث: قال الزجاج إن قوله وَ مَنْدَخَلَهُ كانَ آمِناً من بقية تفسيرالآيات، كأنه قيل: فيه آيات بينات مقامإبراهيم و أمن من دخله، و لفظ الجمع قديستعمل في الاثنين، قال