اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها منوجهينالأول: أنه تعالى حكى عنهم في الآيةالمتقدمة أنهم ادعوا أنهم أوتوا منالمناصب الدينية، ما لم يؤت أحد غيرهممثله، ثم إنه تعالى بيّن أن الخيانةمستقبحة عند جميع أرباب الأديان، و هممصرون عليها، فدل هذا على كذبهمو الثاني:أنه تعالى لما حكى عنهم في الآية المتقدمةقبائح أحوالهم فيما يتعلق بالأديان و هوأنهم قالوا لا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْتَبِعَ دِينَكُمْ [آل عمران: 73] حكى في هذهالآية بعض قبائح أحوالهم فيما يتعلقبمعاملة الناس، و هو إصرارهم على الخيانةو الظلم و أخذ أموال الناس في القليل.و الكثير و ههنا مسائل:
المسألة الأولى:
الآية دالة على انقسامهم إلى قسمين: بعضهمأهل الأمانة، و بعضهم أهل الخيانة و فيهأقوال الأول: أن أهل الأمانة منهم هم الذينأسلموا، أما الذين بقوا على اليهودية فهممصرون على الخيانة لأن مذهبهم أنه يحل لهمقتل كل من خالفهم في الدين و أخذ أموالهم ونظير هذه الآية قوله تعالى: لَيْسُواسَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌقائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَاللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ [آل عمران:113] مع قوله مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ [آل عمران: 110]الثاني: أن أهل الأمانة هم النصارى، و أهلالخيانة هم اليهود، و الدليل عليه ماذكرنا، أن مذهب اليهود أنه يحل قتلالمخالف و يحل أخذ ماله بأي طريقكانالثالث: قال ابن عباس: أودع رجل عبداللّه بن سلّام ألفاً و مائتى أوقية من ذهبفأدى إليه، و أودع آخر فنحاص بن عازوراءديناراً فخانه فنزلت الآية.
المسألة الثانية:
يقال أمنته بكذا و على كذا، كما يقال مررتبه و عليه، فمعنى الباء إلصاق الأمانة، ومعنى:على استعلاء الأمانة، فمن اؤتمن على شيءفقد صار ذلك الشيء في معنى الملتصق بهلقربه منه، و اتصاله بحفظه و حياطته، وأيضاً صار المودع كالمستعلي على تلكالأمانة و المستولي عليها، فلهذا حسنالتعبير عن هذا المعنى