وجهانالأول: أن المعنى: الذين اتبعوادين عيسى يكونون فوق الذين كفروا به، و هماليهود بالقهر و السلطان و الاستعلاء إلىيوم القيامة، فيكون ذلك إخباراً عن ذلاليهود و إنهم يكونوا مقهورين إلى يومالقيامة، فأما الذين اتبعوا المسيح عليهالسلام فهم الذين كانوا يؤمنون بأنه عبداللّه و رسوله و أما بعد الإسلام فهمالمسلمون، و أما النصارى فهم و إن أظهروامن أنفسهم موافقته فهم يخالفونه أشدالمخالفة من حيث أن صريح العقل يشهد أنهعليه السلام ما كان يرضى بشيء مما يقولههؤلاء الجهال، و مع ذلك فإنا نرى أن دولةالنصارى في الدنيا أعظم و أقوى من أمراليهود فلا نرى في طرف من أطراف الدنياملكا يهوديا و لا بلدة مملوءة من اليهود بليكونون أين كانوا بالذلة و المسكنة و أماالنصارى فأمرهم بخلاف ذلكالثاني: أنالمراد من هذه الفوقية الفوقية بالحجة والدليل.و اعلم أن هذه الآية تدل على أن رفعه فيقوله وَ رافِعُكَ إِلَيَّ هو الرفعةبالدرجة و المنقبة، لا بالمكان و الجهة،كما أن الفوقية في هذه ليست بالمكان بلبالدرجة و الرفعة.أما قوله ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْفَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْفِيهِ تَخْتَلِفُونَفالمعنى أنه تعالى بشّر عيسى عليه السلامبأنه يعطيه في الدنيا تلك الخواص الشريفة،و الدرجات الرفيعة العالية، و أما فيالقيامة فإنه يحكم بين المؤمنين به، و بينالجاحدين برسالته، و كيفية ذلك الحكم ماذكره في الآية التي بعد هذه الآية و بقي منمباحث هذه الآية موضع مشكل و هو أن نصالقرآن دل على أنه تعالى حين رفعه ألقىشبهه على غيره على ما قال: وَ ما قَتَلُوهُوَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ[النساء: 157] و الأخبار أيضا واردة بذلك إلاأن الروايات اختلفت، فتارة يروى أن اللّهتعالى ألقى شبهه على بعض الأعداء الذيندلوا اليهود على مكانه حتى قتلوه و صلبوه،و تارة يروى أنه عليه السلام رغب بعض خواصأصحابه في أن يلقي شبهه حتى يقتل مكانه، وبالجملة فكيفما كانففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات:
الإشكال الأول:
إنا لو جوزنا إلقاء شبه إنسان على إنسانآخر لزم السفسطة، فإني إذا رأيت ولدي ثمرأيته ثانياً فحينئذ أجوز أن يكون هذاالذي رأيته ثانياً ليس بولدي بل هو إنسانألقي شبهه عليه و حينئذ يرتفع الأمان علىالمحسوسات، و أيضاً فالصحابة الذين رأوامحمداً صلّى الله عليه وسلّم يأمرهم وينهاهم وجب أن لا يعرفوا أنه محمد لاحتمالأنه ألقي شبهه على غيره و ذلك يفضي إلىسقوط الشرائع، و أيضاً فمدار الأمر فيالأخبار المتواترة على أن يكون المخبرالأول إنما أخبر عن المحسوس، فإذا جازوقوع الغلط في المبصرات كان سقوط خبرالمتواتر أولى و بالجملة ففتح هذا البابأوله سفسطة و آخره إبطال النبوات بالكلية.
و الإشكال الثاني:
و هو أن اللّه تعالى كان قد أمر جبريل عليهالسلام بأن يكون معه في أكثر الأحوال،هكذا قاله المفسرون في تفسير قوله إِذْأَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ [المائدة:110] ثم إن طرف جناح واحد من أجنحة جبريلعليه السلام كان يكفي العالم من البشرفكيف لم يكف في منع أولئك اليهود عنه؟ وأيضاً أنه عليه السلام لما كان قادراً علىإحياء الموتى، و إبراء الأكمه و الأبرص،فكيف لم يقدر على إماتة أولئك اليهودالذين قصدوه بالسوء و على إسقامهم و إلقاءالزمانة و الفلج عليهم حتى يصيروا عاجزينعن التعرض له؟.
و الإشكال الثالث:
إنه تعالى كان قادراً على تخليصه من أولئكالأعداء بأن يرفعه إلى السماء فما الفائدة