وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَالتَّوْراةِ وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَالَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْفَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ (50)إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْفَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)اعلم أنه عليه السلام لما بيّن بهذهالمعجزات الباهرة كونه رسولًا من عنداللّه تعالى، بيّن بعد ذلك أنه بماذا أرسلو هو أمرانأحدهما: قوله وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَيَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ. و فيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قد ذكرنا في قوله وَ رَسُولًا إِلىبَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ [آل عمران: 49] أنتقديره و أبعثه رسولًا إلى بني إسرائيلقائلًا أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍفقوله وَ مُصَدِّقاً معطوف عليه والتقدير: و أبعثه رسولًا إلى بني إسرائيلقائلًا أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ،و إني بعثت مُصَدِّقاً لِما بَيْنَيَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ و إنما حسن حذفهذه الألفاظ لدلالة الكلام عليها.
المسألة الثانية:
إنه يجب على كل نبي أن يكون مصدقاً لجميعالأنبياء عليهم السلام، لأن الطريق إلىثبوت نبوتهم هو المعجزة، فكل من حصل لهالمعجز، وجب الاعتراف بنبوته، فلهذا قلنا:بأن عيسى عليه السلام يجب أن يكون مصدقاًلموسى بالتوراة، و لعلّ من جملة الأغراضفي بعثة عيسى عليه السلام إليهم تقريرالتوراة و إزالة شبهات المنكرين و تحريفاتالجاهلين.و أما المقصود الثاني: من بعثة عيسى عليهالسلام قوله وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَالَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ.و فيه سؤال: و هو أنه يقال: هذه الآيةالأخيرة مناقضة لما قبلها لأن هذه الآيةالأخيرة صريحة في أنه جاء ليحل بعض الذيكان محرماً عليه في التوراة، و هذا يقتضيأن يكون حكمه بخلاف حكم التوراة، و هذايناقض قوله وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَيَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ.و الجواب: إنه لا تناقض بين الكلام، و ذلكلأن التصديق بالتوراة لا معنى له إلااعتقاد أن كل ما فيها فهو حق و صواب، و إذالم يكن الثاني مذكوراً في التوراة لم يكنحكم عيسى بتحليل ما كان محرماً فيها،مناقضاً لكونه مصدقاً بالتوراة، و أيضاًإذا كانت البشارة بعيسى عليه السلامموجودة في التوراة لم يكن مجيء عيسى عليهالسلام و شرعه مناقضاً للتوراة، ثماختلفوا فقال بعضهم: إنه عليه السلام ماغير شيئاً من أحكام التوراة، قال