الصفة الثالثة: من صفات عيسى قوله تعالى:وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا - مفاتیح الشرائع جلد 8
لطفا منتظر باشید ...
الأرض و إصعاده إلى السماء توفياً له.
فإن قيل: فعلى هذا الوجه كان التوفي عينالرفع إليه فيصير قوله وَ رافِعُكَإِلَيَّ تكراراً.
قلنا: قوله إِنِّي مُتَوَفِّيكَ يدل علىحصول التوفي و هو جنس تحته أنواع بعضهابالموت و بعضها بالإصعاد إلى السماء، فلماقال بعده وَ رافِعُكَ إِلَيَّ كان هذاتعييناً للنوع و لم يكن تكراراً.
الوجه التاسع: أن يقدر فيه حذف المضاف والتقدير: متوفي عملك بمعنى مستوفي عملك وَرافِعُكَ إِلَيَّ أي و رافع عملك إلي، و هوكقوله إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُالطَّيِّبُ [فاطر: 10] و المراد من هذه الآيةأنه تعالى بشّره بقبول طاعته و أعماله، وعرفه أن ما يصل إليه من المتاعب و المشاقفي تمشية دينه و إظهار شريعته من الأعداءفهو لا يضيع أجره و لا يهدم ثوابه، فهذهجملة الوجوه المذكورة على قول من يجريالآية على ظاهرها.
الطريق الثاني: و هو قول من قال: لا بد فيالآية من تقديم و تأخير من غير أن يحتاجفيها إلى تقديم أو تأخير، قالوا إن قوله وَرافِعُكَ إِلَيَّ يقتضي إنه رفعه حياً، والواو لا تقتضي الترتيب، فلم يبق إلا أنيقول فيها تقديم و تأخير، و المعنى: أنيرافعك إليّ و مطهرك من الذين كفروا ومتوفيك بعد إنزالي إياك في الدنيا، و مثلهمن التقديم و التأخير كثير في القرآن.
و اعلم أن الوجوه الكثيرة التي قدمناهاتغني عن التزام مخالفة الظاهر و اللّهأعلم.
و المشبهة يتمسكون بهذه الآية في إثباتالمكان للّه تعالى و أنه في المساء، و قددللنا في المواضع الكثيرة من هذا الكتاببالدلائل القاطعة على أنه يمتنع كونهتعالى في المكان فوجب حمل اللفظ علىالتأويل، و هو من وجوه: الوجه الأول: أنالمراد إلى محل كرامتي، و جعل ذلك رفعاًإليه للتفخيم و التعظيم و مثله قولهإِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي [الصافات: 99] وإنما ذهب إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم منالعراق إلى الشام و قد يقول السلطان:ارفعوا هذا الأمر إلى القاضي، و قد يسمىالحجاج زوار اللّه، و يسمى المجاورونجيران اللّه، و المراد من كل ذلك التفخيم والتعظيم فكذا ههنا.
الوجه الثاني: في التأويل أن يكون قوله وَرافِعُكَ إِلَيَّ معناه إنه يرفع إلى مكانلا يملك الحكم عليه فيه غير اللّه لأن فيالأرض قد يتولى الخلق أنواع الأحكام فأماالسموات فلا حاكم هناك في الحقيقة و فيالظاهر إلا اللّه.
الوجه الثالث: إن بتقدير القول بأن اللّهفي مكان لم يكن ارتفاع عيسى إلى ذلك سبباًلا نتفاعه و فرحه بل إنما ينتفع بذلك لووجد هناك مطلوبه من الثواب و الروح والراحة و الريحان، فعلى كلا القولين لا بدمن حمل اللفظ على أن المراد: و رافعك إلىمحل ثوابك و مجازاتك، و إذا كان لا بد منإضمار ما ذكرناه لم يبق في الآية دلالة علىإثبات المكان للّه تعالى.
الصفة الثالثة: من صفات عيسى قوله تعالى:وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
و المعنى مخرجك من بينهم و مفرق بينك وبينهم، و كما عظم شأنه بلفظ الرفع إليهأخبر عن معنى التخليص بلفظ التطهير و كلذلك يدل على المبالغة في إعلاء شأنه وتعظيم منصبه عند اللّه تعالى.