أما عذاب الكافر في الدنيا فهو منوجهينأحدهما: القتل و السبي و ما شاكله،حتى لو ترك الكفر لم يحسن إيقاعه به، فذلكداخل في عذاب الدنياو الثاني: ما يلحقالكافر من الأمراض و المصائب، و قداختلفوا في أن ذلك هل هو عقاب أم لا؟ قالبعضهم: إنه عقاب في حق الكافر، و إذا وقعمثله للمؤمن فإنه لا يكون عقاباً بل يكونابتلاءً و امتحاناً، و قال الحسن: إن مثلهذا إذا وقع للكافر لا يكون عقاباً بل يكونأيضاً ابتلاءً و امتحاناً، و يكون جارياًمجرى الحدود التي تقام على النائب، فإنهالا تكون عقاباً بل امتحاناً، و الدليلعليه أنه تعالى يعد الكل بالصبر عليها والرضا بها و التسليم لها و ما هذا حاله لايكون عقاباً.فإن قيل: فقد سلمتم في الوجه الأول إنهعذاب للكافر على كفره، و هذا على خلاف قولهتعالى: وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَبِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْدَابَّةٍ [النحل: 61] و كلمة (لو) تفيد انتفاءالشيء لانتفاء غيره، فوجب أن لا توجدالمؤاخذة في الدنيا، و أيضاً قال تعالى:الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِماكَسَبَتْ [غافر: 17] و ذلك يقتضي حصولالمجازاة في ذلك اليوم، لا في الدنيا،قلنا: الآية الدالة على حصول العقاب فيالدنيا خاصة، و الآيات التي ذكرتموهاعامة، و الخاص مقدم على العام.
المسألة الثانية:
لقائل أن يقول وصف العذاب بالشدة، يقتضيأن يكون عقاب الكافر في الدنيا أشد، و لسنانجد الأمر كذلك، فإن الأمر تارة يكون علىالكفار و أخرى على المسلمين، و لا نجد بينالناس تفاوتاً.قلنا: بل التفاوت موجود في الدنيا، لأنالآية في بيان أمر اليهود الذين كذبوابعيسى عليه السلام، و نرى الذلة و المسكنةلازمة لهم، فزال الإشكال.
المسألة الثالثة:
وصف تعالى هذا العذاب بأنه ليس لهم منينصرهم و يدفع ذلك العذاب عنهم.فإن قيل: أليس قد يمتنع على الأئمة والمؤمنين قتل الكفار بسبب العهد و عقدالذمة.قلنا: المانع هو العهد، و لذلك إذا زالالعهد حل قتله.
[سورة آلعمران (3): آية 57]
وَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُواالصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْأُجُورَهُمْ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّالظَّالِمِينَ (57)و فيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حفص عن عاصم فَيُوَفِّيهِمْ بالياء،يعني فيوفيهم اللّه، و الباقون بالنونحملًا على ما تقدم من قوله فَأَحْكُمُ، ...فَأُعَذِّبُهُمْ و هو الأولى لأنه نسقالكلام.
المسألة الثانية:
ذكر الذين آمنوا، ثم وصفهم بأنهم عملواالصالحات، و ذلك يدل على أن العمل الصالحخارج عن مسمى الإيمان، و قد تقدم ذكر هذهالدلالة مراراً.
المسألة الثالثة:
احتج من قال بأن العمل علة للجزاء بقولهفَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ فشبههم فيعبادتهم لأجل طلب الثواب بالمستأجر، والكلام فيه أيضاً قد تقدم و اللّه أعلم.
المسألة الرابعة:
المعتزلة احتجوا بقوله وَ اللَّهُ لايُحِبُّ الظَّالِمِينَ على أنه تعالى لايريد الكفر و المعاصي، قالوا: لأن مريدالشيء لا بد و أن يكون محباً له، إذا كانذلك الشيء من الأفعال و إنما تخالفالمحبة الإرادة إذا علقتا بالأشخاص، فقديقال: أحب زيداً، و لا يقال: أريده، و أماإذا علقتا بالأفعال: فمعناهما واحد إذااستعملتا