أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)اعلم أنه تعالى لما بيّن في الآية الأولىأن الإيمان بمحمد عليه الصلاة و السلامشرع شرعه اللّه و أوجبه على جميع من مضى منالأنبياء والأمم، لزم أن كل من كره ذلكفإنه يكون طالباً ديناً غير دين اللّه،فلهذا قال بعدهأَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حفص عن عاصم يَبْغُونَ و يُرْجَعُونَبالياء المنقطة من تحتها، لوجهينأحدهما:رداً لهذا إلى قوله وَ أُولئِكَ هُمُالْفاسِقُونَ [آل عمران: 82] و الثاني: أنهتعالى إنما ذكر حكاية أخذ الميثاق حتىيبين أن اليهود و النصارى يلزمهم الإيمانبمحمد صلّى الله عليه وسلّم، فلما أصرواعلى كفرهم قال على جهة الاستنكار أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ و قرأأبو عمرو تبغون بالتاء خطابا لليهود وغيرهم من الكافر و يُرْجَعُونَ بالياءليرجع إلى جميع المكلفين المذكورين فيقوله وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِيالسَّماواتِ وَ الْأَرْضِ و قرأ الباقونفيهما بالتاء على الخطاب، لأن ما قبلهخطاب كقوله أَ أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ [آل عمران: 81] و أيضاً فلا يبعدأن يقال للمسلم و الكفار و لكل أحد: أ فغيردين اللّه تبغون مع علمكم بأنه أسلم له منفي السموات و الأرض، و أن مرجعكم إليه و هوكقوله وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْتُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران: 101].
المسألة الثانية:
الهمزة للاستفهام و المراد استنكار أنيفعلوا ذلك أو تقرير أنهم يفعلونه، و موضعالهمزة هو لفظة يَبْغُونَ تقديره: أيبغونغير دين اللّه؟ لأن الاستفهام إنما يكونعن الأفعال و الحوادث، إلا أنه تعالى قدمالمفعول الذي هو فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِعلى فعله، لأنه أهم من حيث أن الإنكار الذيهو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود الباطلو أما الفاء فلعطف جملة على جملة و فيهوجهانأحدهما: التقدير: فأولئك همالفاسقون، فغير دين اللّه يبغون.و اعلم أنه لو قيل أو غير دين اللّه يبغونجاز إلا أن في الفاء فائدة زائدة كأنه قيل:أفبعد أخذ هذا الميثاق المؤكد بهذهالتأكيدات البليغة تبغون؟.
المسألة الثالثة:
روي أن فريقين من أهل الكتاب اختصموا إلىالرسول صلّى الله عليه وسلّم فيما اختلفوافيه من دين إبراهيم