اعلم أن العمل لا يبقى، و لا يمكن وجدانهيوم القيامة، فلا بد فيه من التأويل و هومن وجهين الأول: أنه يجد صحائف الأعمال، وهو قوله تعالى: إِنَّا كُنَّانَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[الجاثية: 29] و قال:فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُاللَّهُ وَ نَسُوهُ [المجادلة: 6] و الثاني:أنه يجد جزاء الأعمال و قوله تعالى:مُحْضَراً يحتمل أن يكون المراد أن تلكالصحائف تكون محضرة يوم القيامة، و يحتملأن يكون المعنى: أن جزاء العمل يكونمحضراً، كقوله وَ وَجَدُوا ما عَمِلُواحاضِراً [الكهف: 49] و على كلا الوجهين،فالترغيب و الترهيب حاصلان.أما قوله: وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍتَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُأَمَداً بَعِيداً ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قال الواحدي: الأظهر أن يجعل ما ههنابمنزلة الذي، و يكون عَمِلَتْ صلة لها، ويكون معطوفاً على ما الأول، و لا يجوز أنتكون ما شرطية، و إلا كان يلزم أن ينصبتَوَدُّ أو يخفضه، و لم يقرأه أحد إلابالرفع، فكان هذا دليلًا على أن ما ههنابمعنى الذي.فإن قيل: فهل يصح أن تكون شرطية على قراءةعبد اللّه، ودت.قلنا: لا كلام في صحته لكن الحمل علىالابتداء و الخبر أوقع، لأنه حكاية حالالكافر في ذلك اليوم، و أكثر موافقةللقراءة المشهورة.
المسألة الثانية:
الواو في قوله وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍفيه قولانالأول: و هو قول أبي مسلمالأصفهاني:الواو واو العطف، و التقدير: تجد ما عملتمن خير و ما عملت من سوء، و أما قولهتَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُأَمَداً بَعِيداً ففيه وجهانالأول: أنهصفة للسوء، و التقدير: و ما عملت من سوءالذي تود أن يبعد ما بينها و بينهوالثاني:أن يكون حالًا، و التقدير: يوم تجد ما عملتمن سوء محضراً حال ما تود بعده عنها.و القول الثاني: أن الواو للاستئناف، وعلى هذا القول لا تكون الآية دليلًا علىالقطع بوعيد المذنبين، و موضع الكرم واللطف هذا، و ذلك لأنه نص في جانب الثوابعلى كونه محضراً و أما في جانب العقاب فلمينص على الحضور، بل ذكر أنهم يودون الفرارمنه، و البعد عنه، و ذلك ينبه على أن جانبالوعد أولى بالوقوع من جانب الوعيد.
المسألة الثالثة:
الأمد، الغاية التي ينتهي إليها، و نظيرهقوله تعالى: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِفَبِئْسَ الْقَرِينُ [الزخرف: 38].و اعلم أن المراد من هذا التمني معلوم،سواء حملنا لفظ الأمد على الزمان أو علىالمكان، إذ المقصود تمني بعده، ثم قال: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ و هولتأكيد الوعيد. ثم قال: وَ اللَّهُ رَؤُفٌبِالْعِبادِ و فيه وجوهالأول:أنه رؤوف بهم حيث حذرهم من نفسه، و عرفهمكمال علمه و قدرته، و أنه يمهل و لا يهمل، ورغبهم في استيجاب رحمته، و حذرهم مناستحقاق غضبه، قال الحسن: و من رأفته بهمأن حذرهم نفسهالثاني: أنه رؤوف بالعبادحيث أمهلهم للتوبة و التدارك والتلافيالثالث: أنه لما قال: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ و هوللوعيد أتبعه بقوله وَ اللَّهُ