الإسلام، هو الاستسلام و الانقياد والخضوع.إذا عرفت هذا ففي خضوع كل من في السموات والأرض للّه وجوهالأول: و هو الأصح عنديأن كل ما سوى اللّه سبحانه ممكن لذاته و كلممكن لذاته فإنه لا يوجد إلا بإيجاده و لايعدم إلا بإعدامه فإذن كل ما سوى اللّه فهومنقاد خاضع لجلال اللّه في طرفي وجوده وعدمه، و هذا هو نهاية الانقياد و الخضوع،ثم إن في هذا الوجه لطيفة أخرى و هي أن قولهوَ لَهُ أَسْلَمَ يفيد الحصر أي و له أسلمكل من في السموات و الأرض لا لغيره، فهذهالآية تفيد أن واجب الوجود واحد و أن كل ماسواه فإنه لا يوجد إلا بتكوينه و لا يفنىإلا بإفنائه سواء كان عقلًا أو نفساً أوروحاً أو جسماً أو جوهراً أو عرضاً أوفاعلًا أو فعلًا، و نظير هذه الآية فيالدلالة على هذا المعنى قوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِوَ الْأَرْضِ [الرعد: 15] و قوله وَ إِنْمِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُبِحَمْدِهِ [الإسراء: 44].الوجه الثاني: في تفسير هذه الآية أنه لاسبيل لأحد إلى الامتناع عليه في مراده، وإما أن ينزلوا عليه طوعاً أو كرهاً،فالمسلمون الصالحون ينقادون للّه طوعاًفيما يتعلق بالدين، و ينقادون له كرهاًفيما يخالف طباعهم من المرض و الفقر والموت و أشباه ذلك، و أما الكافرون فهمينقادون للّه تعالى على كل حال كرهاًلأنهم لا ينقادون فيما يتعلق بالدين، و فيغير ذلك مستسلمون له سبحانه كرها، لأنه لايمكنهم دفع قضائه و قدرهالثالث: أسلمالمسلمون طوعاً، و الكافرون عند موتهمكرها لقوله تعالى: فَلَمْ يَكُيَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّارَأَوْا بَأْسَنا [غافر: 85] الرابع: أن كلالخلق منقادون لإلهيته طوعا بدليل قولهتعالى: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْخَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَلَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: 25] و منقادونلتكاليفه و إيجاده للآلام كرهاًالخامس: أنانقياد الكل إنما حصل وقت أخذ الميثاق و هوقوله تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْبَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلىأَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْقالُوا بَلى [الأعراف: 172] [السادس:] قالالحسن: الطوع لأهل السموات خاصة، و أما أهلالأرض فبعضهم بالطوع و بعضهم بالكره، وأقول: إنه سبحانه ذكر في تخليق السموات والأرض هذا و هو قوله فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاًقالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: 11] و فيهأسرار عجيبة.أما قوله و إليه ترجعون فالمراد أن منخالفه في العاجل فسيكون مرجعه إليه، والمراد إلى حيث لا يملك الضر و النفع سواههذا وعيد عظيم لمن خالف الدين الحق.
المسألة الثانية:
قال الواحدي رحمه اللّه: الطوع الانقياد،يقال: طاعه يطوعه طوعاً إذا انقاد له وخضع، و إذا مضى لأمره فقد أطاعه، و إذاوافقه فقد طاوعه، قال ابن السكيت: يقال طاعله و أطاع، فانتصب طوعاً و كرهاً على