قوله تعالى: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْمفسر عند أصحابنا بخلق التوبة فيهم و ذلكعبارة عن خلق الندم فيهم على ما مضى، و خلقالعزم فيهم على أن لا يفعلوا مثل ذلك فيالمستقبل قال أصحابنا: و هذا المعنى متأكدببرهان العقل و ذلك لأن الندم عبارة عنحصول إرادة في المضي متعلقة بترك فعل منالأفعال في المستقبل، و حصول الإرادات والكراهات في القلب لا يكون بفعل العبد،لأن فعل العبد مسبوق بالإرادة، فلو كانتالإرادات فعلًا للعبد لافتقر العبد في فعلتلك الإرادة إلى إرادة أخرى و يلزمالتسلسل و هو محال، فعلمنا أن حصولالإرادة و الكراهات في القلب ليس إلابتخليق اللّه تعالى و تكوينه إبتداء، ولما كانت التوبة عبارة عن الندم و العزم، وكل ذلك من جنس الإرادات و الكراهات، علمناأن التوبة لا تحصل للعبد إلا بخلق اللّهتعالى، فصار هذا البرهان مطابقاً لما دلعليه ظاهر القرآن، و هو قوله أَوْ يَتُوبَعَلَيْهِمْ و أما المعتزلة فإنهم فسرواقوله أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إما بفعلالألطاف أو بقبول التوبة.أما قوله تعالى: فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَففيه مسائل:
المسألة الأولى:
إن كان الغرض من الآية منعه من الدعاء علىالكفر صح الكلام و هو أنه تعالى سماهمظالمين، لأن الشرك ظلم قال تعالى: إِنَّالشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] وإن كان الغرض منها منعه من الدعاء علىالمسلمين الذين خالفوا أمره صح الكلامأيضاً، لأن من عصى اللّه فقد ظلم نفسه.
المسألة الثانية:
يحتمل أن يكون المراد من العذاب المذكورفي هذه الآية عذاب الدنيا، و هو القتل والأسر و أن يكون عذاب الآخرة، و علىالتقديرين فعلم ذلك مفوض إلى اللّه.
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ جملةمستقلة، إلا أن المقصود من ذكرها تعليلحسن التعذيب، و المعنى: أو يعذبهم فإنه إنعذبهم إنما يعذبهم لأنهم ظالمون.
[سورة آلعمران (3): آية 129]
وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِيالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُغَفُورٌ رَحِيمٌ (129)
[في قوله تعالى وَ لِلَّهِ ما فِيالسَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ]
فيه مسألتان:
المسألة الأولى:
إن المقصود من هذا تأكيد ما ذكره أولًا منقوله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ[آل عمران: 128] و المعنى أن الأمر إنما يكونلمن له الملك، و ملك السموات و الأرض و ليسإلا للّه تعالى فالأمر في السموات و الأرضليس إلا للّه، و هذا برهان قاطع.
المسألة الثانية:
إنما قال: ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِيالْأَرْضِ و لم يقل (من) لأن المرادالإشارة إلى الحقائق و الماهيات، فدخل فيهالكل.أما قوله يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُفاعلم أن أصحابنا يحتجون بهذه الآية علىأنه سبحانه له أن يدخل الجنة بحكم إلهيتهجميع الكفار و المردة، و له أن يدخل الناربحكم إلهيته جميع المقربين و الصدّيقين وأنه لا اعتراض عليه في فعل هذه الأشياء ودلالة الآية على هذا المعنى ظاهرة والبرهان العقلي يؤكد ذلك أيضاً، و ذلك أن