[سورة آلعمران (3): آية 58]
ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِوَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)و فيه مسائل:المسألة الأولى:
ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من نبأ عيسى وزكريا و غيرهما، و هو مبتدأ، خبرهنَتْلُوهُ و مِنَ الْآياتِ خبر بعد خبر أوخبر مبتدأ محذوف، و يجوز أن يكون ذلك بمعنىالذي، و نَتْلُوهُ صلته، و مِنَ الْآياتِالخبر.المسألة الثانية:
التلاوة و القصص واحد في المعنى، فإن كلامنهما يرجع معناه إلى شيء يذكر بعضه علىإثر بعض، ثم إنه تعالى أضاف التلاوة إلىنفسه في هذه الآية، و في قوله نَتْلُواعَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى [القصص: 3] وأضاف القصص إلى نفسه فقال: نَحْنُ نَقُصُّعَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف: 3] و كلذلك يدل على أنه تعالى جعل تلاوة الملكجارية مجرى تلاوته سبحانه و تعالى، و هذاتشريف عظيم للملك، و إنما حسن ذلك لأنتلاوة جبريل صلّى الله عليه وسلّم لما كانبأمره من غير تفاوت أصلًا أضيف ذلك إليهسبحانه و تعالى.المسألة الثالثة:
قوله مِنَ الْآياتِ يحتمل أن يكون المرادمنه، أن ذلك من آيات القرآن و يحتمل أنيكون المراد منه أنه من العلامات الدالةعلى ثبوت رسالتك، لأنها أخبار لا يعلمهاإلا قارىء من كتاب أو من يوحى إليه،فظاهر أنك لا تكتب و لا تقرأ، فبقي أن ذلكمن الوحي.المسألة الرابعة:
وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ فيهقولانالأول: المراد منه القرآن و في وصفالقرآن بكونه ذكراً حكيماً وجوهالأول:إنه بمعنى الحاكم مثل القدير و العليم، والقرآن حاكم بمعنى أن الأحكام تستفادمنهو الثاني: معناه ذو الحكمة في تأليفهو نظمه و كثرة علومهو الثالث: أنه بمعنىالمحكم، فعيل بمعنى مفعل، قال الأزهري: وهو شائع في اللغة، لأن حكمت يجري مجرىأحكمت في المعنى، فرد إلى الأصل، و معنىالمحكم في القرآن أنه أحكم عن تطرق وجوهالخلل إليه قال تعالى: أُحْكِمَتْ آياتُهُ[هود: 1] و الرابع: أن يقال القرآن لكثرةحكمه إنه ينطق بالحكمة، فوصف بكونه حكيماًعلى هذا التأويل.القول الثاني: أن المراد بالذكر الحكيمههنا غير القرآن، و هو اللوح المحفوظ الذيمنه نقلت جميع الكتب المنزلة على الأنبياءعليهم السلام، أخبر أنه تعالى أنزل هذاالقصص مما كتب هنالك، و اللّه أعلمبالصواب.[سورة آلعمران (3): آية 59]
إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِكَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت عندحضور و فد نجران على الرسول صلّى الله عليهوسلّم، و كان من جملة شبههم أن قالوا: يامحمد، لما سلمت أنه لا أب له من البشر وجبأن يكون أبوه هو اللّه تعالى، فقال: إن آدمما كان له أب و لا أم و لم يلزم أن يكونابناً للّه تعالى، فكذا القول في عيسىعليه السلام، هذا حاصل الكلام، و أيضاًإذا جاز أن(1) ليست هذه آية إنما المثبت في المصحف وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ[غافر: 31].