قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو لا يضركمبفتح الياء و كسر الضاد و سكون الراء، و هومن ضاره يضيره، و يضوره ضورا إذا ضرّه، والباقون لا يَضُرُّكُمْ بضم الضاد و الراءالمشددة و هو من الضر، و أصله يضرركم جزما،فأدغمت الراء في الراء و نقلت ضمة الراءالأولى إلى الضاد و ضمت الراء الأخرة،اتباعا لأقرب الحركات و هي ضمة الضاد، وقال بعضهم: هو على التقديم و التأخيرتقديره: و لا يضركم كيدهم شيئا إن تصبروا وتتقوا، قال صاحب «الكشاف»: و روى المفضل عنعاصم لا يضركم بفتح الراء.
المسألة الثانية:
الكيد هو أن يحتال الإنسان ليوقع غيره فيمكروه، و ابن عباس فسّر الكيد ههنابالعداوة.
المسألة الثالثة:
شَيْئاً نصب على المصدر أي شيئا من الضر.
المسألة الرابعة:
معنى الآية: أن كل من صبر على أداء أوامراللّه تعالى و اتقى كل ما نهى اللّه عنهكان في حفظ اللّه فلا يضره كيد الكافرين ولا حيل المحتالين.و تحقيق الكلام في ذلك هو أنه سبحانه إنماخلق الخلق للعبودية كما قال: وَ ماخَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّالِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] فمن و في بعهدالعبودية في ذلك فاللّه سبحانه أكرم من أنلا يفي بعهد الربوبية في حفظه عن الآفات والمخافات، و إليه الإشارة بقوله وَ مَنْيَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاًوَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ[الطلاق: 2، 3] إشارة إلى أنه يوصل إليه كل مايسره، و قال بعض الحكماء: إذا أردت أن تكبتمن يحسد فاجتهد في اكتساب الفضائل.ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِمايَعْمَلُونَ مُحِيطٌ و فيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرىء بما يعملون بالياء على سبيلالمغايبة بمعنى أنه عالم بما يعملون فيمعاداتكم فيعاقبهم عليه، و من قرأ بالتاءعلى سبيل المخاطبة، فالمعنى أنه عالم محيطبما تعملون من الصبر و التقوى فيفعل بكم ماأنتم أهله.
المسألة الثانية:
إطلاق لفظ المحيط على اللّه مجاز، لأنالمحيط بالشيء هو الذي يحيط به من كلجوانبه، و ذلك من صفات الأجسام، لكنهتعالى لما كان عالما بكل الأشياء قادراعلى كل الممكنات، جاز في مجاز اللغة أنهمحيط بها، و منه قوله وَ اللَّهُ مِنْوَرائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج: 20] و قال: وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ [البقرة:19] و قال: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً[طه: 110] و قال: وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْوَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً [الجن:28].
المسألة الثالثة:
إنما قال: إِنَّ اللَّهَ بِمايَعْمَلُونَ مُحِيطٌ و لم يقل إن اللّهمحيط بما يعملون لأنهم يقدمون الأهم والذي هم بشأنه، أعني و ليس المقصود ههنابيان كونه تعالى عالما، بينا أن جميعأعمالهم معلومة للّه تعالى و مجازيهمعليها فلا جرم قد ذكر العمل و اللّه أعلم.