المراد من ذكر القنطار و الدينار ههناالعدد الكثير و العدد القليل، يعني أنفيهم من هو في غاية الأمانة حتى لو اؤتمنعلى الأموال الكثيرة أدى الأمانة فيها، ومنهم من هو في غاية الخيانة حتى لو اؤتمنعلى الشيء القليل، فإنه يجوز فيهالخيانة، و نظيره قوله تعالى: وَ إِنْأَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَزَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّقِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُشَيْئاً [النساء: 20] و على هذا الوجه، فلاحاجة بنا إلى ذكر مقدار القنطار و ذكروافيه وجوهاًالأول: إن القنطار ألف و مائتاأوقية قالوا: لأن الآية نزلت في عبد اللّهبن سلّام حين استودعه رجل من قريش ألفاً ومائتي أوقية من الذهب فرده و لم يخن فيه،فهذا يدل على القنطار هو ذلكالمقدارالثاني: روي عن ابن عباس أنه ملءجلد ثور من المالالثالث: قيل القنطار هوألف ألف دينار أو ألف ألف درهم، و قد تقدمالقول في تفسير القنطار.
المسألة الرابعة:
قرأ حمزة و عاصم في رواية أبي بكر يؤدهبسكون الهاء، و روي ذلك عن أبي عمرو، و قالالزجاج: هذا غلط من الراوي عن أبي عمرو كماغلط في بارِئِكُمْ بإسكان الهمزة و إنماكان أبو عمرو يختلس الحركة، و احتج الزجاجعلى فساد هذه القراءة بأن قال: الجزاء ليسفي الهاء و إنما هو فيما قبل الهاء و الهاءاسم المكنى و الأسماء لا تجزم في الوصل، وقال الفراء: من العرب من يجزم الهاء إذاتحرك ما قبلها.فيقول: ضربته ضرباً شديداً كما يسكنون(ميم) أنتم و قمتم و أصلها الرفع، و أنشد:لما رأى أن لا دعه و لا شبعو قرىء أيضاً باختلاس حركة الهاء اكتفاءبالكسرة من الياء، و قرىء بإشباع الكسرةفي الهاء و هو الأصل.ثم قال تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْتَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِإِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِقائِماً و فيه مسألتان:
المسألة الأولى:
في لفظ (القائم) و جهان: منهم من حمله علىحقيقته، قال السدي: يعني إلا ما دمت قائماًعلى رأسه بالاجتماع معه و الملازمة له، والمعنى: أنه إنما يكون معترفاً بما دفعتإليه ما دمت قائماً على رأسه، فإن أنظرت وأخرت أنكر، و منهم من حمل لفظ (القائم) علىمجازه ثم ذكروا فيه وجوهاًالأول: قال ابنعباس المراد من هذا القيام الإلحاح والخصومة و التقاضي و المطالبة، قال ابنقتيبة: أصله أن المطالب للشيء يقوم فيه والتارك له يقعد عنه، دليل قوله تعالى:أُمَّةٌ قائِمَةٌ [آل عمران: 113] أي عاملهبأمر اللّه غير تاركه، ثم قيل: لكل من واظبعلى مطالبة أمر أنه قام به و إن لم يكن ثمقيامالثاني: قال أبو علي الفارسي: القيامفي اللغة بمعنى الدوام و الثبات، و ذكرناذلك في قوله تعالى: يُقِيمُونَ الصَّلاةَ[البقرة: 3] و منه قوله دِيناً قِيَماً[الأنعام: 161] أي دائماً ثابتاً لا ينسخفمعنى قوله إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِقائِماً أي دائماً ثابتاً في مطالبتك إياهبذلك المال.
المسألة الثانية:
يدخل تحت قوله مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُبِقِنْطارٍ و بِدِينارٍ العين و الدين،لأن الإنسان قد يأتمن غيره على الوديعة وعلى المبايعة و على المقارضة و ليس فيالآية ما يدل على التعيين و المنقول عن ابنعباس أنه حمله على المبايعة، فقال منهم منتبايعه بثمن القنطار فيؤده إليك و منهم منتبايعه بثمن الدينار فلا