[سورة آلعمران (3): الآيات 96 الى 97] - مفاتیح الشرائع جلد 8
لطفا منتظر باشید ...
من علماء أهل الكتاب آية موافقة لقولالرسول، و على كلا الوجهين، فالتفسيرظاهر، و لمنكري القياس أن يحتجوا بهذهالآية، و ذلك لأن الرسول عليه السلامطالبهم فيما ادعوه بكتاب اللّه، و لو كانالقياس حجة لكان لهم أن يقولوا: لا يلزم منعدم هذا الحكم في التوراة عدمه، لأنانثبته بالقياس، و يمكن أن يجاب عنه بأنالنزاع ما وقع في حكم شرعي، و إنما وقع فيأن هذا الحكم، هل كان موجوداً في زمانإبراهيم و سائر الأنبياء عليهم السلام أملا؟ و مثل هذا لا يمكن إثباته إلا بالنص،فلهذا المعنى طالبهم الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه، بنص التوراة.
ثم قال تعالى: فَمَنِ افْتَرى عَلَىاللَّهِ الْكَذِبَ
الافتراء اختلاق الكذب، و الفرية الكذب والقذف، و أصله من فرى الأديم، و هو قطعه،فقيل للكذب افتراء، لأن الكاذب يقطع به فيالقول من غير تحقيق في الوجود.
ثم قال: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ
أي من بعد ظهور الحجة بأن التحريم إنماكان من جهة يعقوب، و لم يكن محرماً قبلهفَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَالمستحقون لعذاب اللّه لأن كفرهم ظلم منهملأنفسهم و لمن أضلوه عن الدين.
ثم قال تعالى: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ
و يحتمل وجوهاًأحدها: قُلْ صَدَقَ في أنذلك النوع من الطعام صار حراماً علىإسرائيل و أولاده بعد أن كان حلالًا لهم،فصح القول بالنسخ، و بطلت شبهة اليهودوثانيها: صَدَقَ اللَّهُ في قوله إن لحومالإبل و ألبانها كانت محللة لإبراهيم عليهالسلام و إنما حرمت على بني إسرائيل لأنإسرائيل حرمها على نفسه، فثبت أن محمداًصلّى الله عليه وسلّم لما أفتى بحل لحومالإبل و ألبانها، فقد أفتى بملةإبراهيمو ثالثها: صَدَقَ اللَّهُ في أنسائر الأطعمة كانت محللة لبني إسرائيل وأنها إنما حرمت على اليهود جزاءً علىقبائح أفعالهم.
ثم قال تعالى: فَاتَّبِعُوا مِلَّةَإِبْراهِيمَ حَنِيفاً
أي اتبعوا ما يدعوكم إليه محمد صلواتاللّه عليه من ملة إبراهيم، و سواء قال:ملة إبراهيم حنيفاً، أو قال: ملة إبراهيمالحنيف لأن الحال و الصفة سواء في المعنى.
ثم قال: وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
أي لم يدع مع اللّه إلهاً آخر، و لا عبدسواه، كما فعله بعضهم من عبادة الشمس والقمر، أو كما فعله العرب من عبادةالأوثان، أو كما فعله اليهود من ادعاء أنعزير ابن اللّه، و كما فعله النصارى منادعاء أن المسيح ابن اللّه، و الغرض منهبيان أن محمداً صلوات اللّه عليه على دينإبراهيم عليه السلام، في الفروع و الأصول.
أما في الفروع، فلما ثبت أن الحكم بحلهكان إبراهيم قد حكم بحله أيضاً، و أما فيالأصول فلأن محمداً صلوات اللّه و سلامهعليه لا يدعو إلا إلى التوحيد، و البراءةعن كل معبود سوى اللّه تعالى و ما كانإبراهيم صلوات اللّه عليه و سلامه إلا علىهذا الدين.
[سورة آلعمران (3): الآيات 96 الى 97]
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِلَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَ هُدىًلِلْعالَمِينَ (96) فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌمَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُكانَ آمِناً وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِحِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِسَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (97)
[قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَلِلنَّاسِ]
قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَلِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاًوَ هُدىً لِلْعالَمِينَ، فِيهِ آياتٌبَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْدَخَلَهُ كانَ آمِناً في اتصال هذه الآيةبما قبلها وجوهالأول: أن المراد منهالجواب عن شبهة أخرى من شبه اليهود فيإنكار نبوّة محمد عليه الصلاة و السلام، وذلك لأنه عليه السلام لما حول القبلة إلىالكعبة طعن اليهود في نبوته،