في الآية إضمار، و التقدير: و تؤمنونبالكتاب كله و هم لا يؤمنون به، و حسنالحذف لما بينا أن الضدين يعلمان معا فكانذكر أحدهما مغنيا عن ذكر الآخر.
المسألة الثانية:
ذكر (الكتاب) بلفظ الواحد لوجوهأحدها:أنه ذهب به مذهب الجنس كقولهم: كثر الدرهمفي أيدي الناسو ثانيها: أن المصدر لايجمع إلا على التأويل، فلهذا لم يقل الكتببدلا من الكتاب، و إن كان لو قاله لجازتوسعا.
المسألة الثالثة:
تقدير الكلام: أنكم تؤمنون بكتبهم كلها وهم مع ذلك يبغضونكم فما بالكم مع ذلكتحبونهم و هم لا يؤمنون بشيء من كتابكم،و فيه توبيخ شديد بأنهم في باطلهم أصلبمنكم في حقكم، و نظيره قوله تعالى:فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَماتَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِما لا يَرْجُونَ [النساء: 104].
السبب الثالث لقبح هذه المخالطة:
قوله تعالى: وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُواآمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّواعَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ والمعنى: أنه إذا خلا بعضهم ببعض أظهروا شدةالعداوة، و شدة الغيظ على المؤمنين حتىتبلغ تلك الشدة إلى عض الأنامل، كما يفعلذلك أحدنا إذا اشتد غيظه و عظم حزنه علىفوات مطلوبه، و لما كثر هذا الفعل منالغضبان، صار ذلك كناية عن الغضب حتى يقالفي الغضبان: إنه يعض يده غيظا و إن لم يكنهناك عض، قال المفسرون: و إنما حصل لهم هذاالغيظ الشديد لما رأوا من ائتلاف المؤمنينو اجتماع كلمتهم و صلاح ذات بينهم.ثم قال تعالى: قُلْ مُوتُوابِغَيْظِكُمْو هو دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتىيهلكوا به، و المراد من ازدياد الغيظازدياد ما يوجب لهم ذلك الغيظ من قوةالإسلام و عزة أهله و ما لهم في ذلك من الذلو الخزي.فإن قيل: قوله قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْأمر لهم بالإقامة على الغيظ، و ذلك الغيظكفر، فكان هذا أمرا بالإقامة على الكفر وذلك غير جائز.