انتصب مُبارَكاً على الحال و التقديرالذي استقر هو ببكة مباركاً.
المسألة الثانية:
البركة لها معنيانأحدهما: النمو والتزايدو الثاني: البقاء و الدوام، يقالتبارك اللّه، لثبوته لم يزل، و البركة شبهالحوض لثبوت الماء فيها، و برك البعير إذاوضع صدره على الأرض و ثبت و استقر، فإنفسرنا البركة بالتزايد و النمو فهذا البيتمبارك من وجوهأحدها: أن الطاعات إذا أتىبها في هذا البيت ازداد ثوابها. قال صلّىالله عليه وسلّم: «فضل المسجد الحرام علىمسجدي، كفضل مسجدي على سائر المساجد» ثمقال صلّى الله عليه وسلّم: صلاة في مسجديهذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه» فهذا فيالصلاة، و أما الحج، فقال عليه الصلاة والسلام: «من حج و لم يرفث و لم يفسق خرج منذنوبه كيوم ولدته أمه» و في حديث آخر «الحجالمبرور ليس له جزاء إلا الجنة» و معلومأنه لا أكثر بركة مما يجلب المغفرة والرحمةو ثانيها: قال القفال رحمه اللّهتعالى: و يجوز أن يكون بركته ما ذكر في قولهتعالى: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّشَيْءٍ [القصص: 57] فيكون كقوله إِلَىالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِيبارَكْنا حَوْلَهُ [الإسراء: 1] و ثالثها:أن العاقل يجب أن يستحضر في ذهنه أن الكعبةكالنقطة و ليتصور أن صفوف المتوجهين إليهافي الصلوات كالدوائر المحيطة بالمركز، وليتأمل كم عدد الصفوف المحيطة بهذهالدائرة حال اشتغالهم بالصلاة، و لا شكأنه يحصل فيما بين هؤلاء المصلين أشخاصأرواحهم علوية، و قلوبهم قدسية و أسرارهمنورانية و ضمائرهم ربانية ثم إن تلكالأرواح الصافية إذا توجهت إلى كعبةالمعرفة و أجسادهم توجهت إلى هذه الكعبةالحسيّة فمن كان في الكعبة يتصل أنوارأرواح أولئك المتوجهين