و فيه وجهانأحدهما: أنهم يتبادرون إليهاخوف الفوت بالموت، و الآخر: يعملونها غيرمتثاقلين. فإن قيل: أليس أن العجلة مذمومةقال عليه الصلاة و السلام: «العجلة منالشيطان و التأني من الرحمن» فما الفرقبين السرعة و بين العجلة؟ قلنا: السرعةمخصوصة بأن يقدم ما ينبغي تقديمه، والعجلة و مخصوصة بأن يقدم ما لا ينبغيتقديمه، فالمسارعة مخصوصة بفرط الرغبةفيما يتعلق بالدين، لأن من رغب في الأمر،آثر الفور على التراخي، قال تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْرَبِّكُمْ [آل عمران: 133] و أيضاً العجلةليست مذمومة على الإطلاق بدليل قولهتعالى: وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّلِتَرْضى [طه: 84].
و المعنى و أولئك الموصوفون بما وصفوا بهمن جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عنداللّه تعالى و رضيهم، و اعلم أن الوصف بذلكغاية المدح و يدل عليه القرآن و المعقول،أما القرآن، فهو أن اللّه تعالى مدح بهذاالوصف أكابر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقال: بعد ذكر إسماعيل و إدريس و ذيالكفل و غيرهم وَ أَدْخَلْناهُمْ فِيرَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَالصَّالِحِينَ [الأنبياء: 86] و ذكر حكايةعن سليمان عليه السلام أنه قال: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَالصَّالِحِينَ [النمل: 19] و قال: فَإِنَّاللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ [التحريم: 4] و أماالمعقول فهو أن الصلاح ضد الفساد، و كل مالا ينبغي أن يكون فهو فساد، سواء كان ذلكفي العقائد، أو في الأعمال، فإذا كان كل ماحصل من باب ما ينبغي أن يكون، فقد حصلالصلاح، فكان الصلاح دالًا على أكملالدرجات.ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الصفات الثمانيةقال: وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْيُكْفَرُوهُ وَ اللَّهُ عَلِيمٌبِالْمُتَّقِينَ و فيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حمزة و الكسائي و حفص عن عاصم وَ مايَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْيُكْفَرُوهُ بالياء على المغايبة، لأنالكلام متصل بما قبله من ذكر مؤمني أهلالكتاب، يتلون و يسجدون و يؤمنون و يأمرونو ينهون و يسارعون، و لن يضيع لهم مايعلمون، و المقصود أن جهال اليهود لماقالوا لعبد اللّه بن سلّام إنكم خسرتمبسبب هذا الإيمان، قال تعالى بل فازوابالدرجات العظمى، فكان المقصود تعظيمهمليزول عن قلبهم أثر كلام أولئك الجهال، ثمهذا و إن كان بحسب اللفظ يرجع إلى كل ماتقدم ذكره من مؤمني أهل الكتاب، فإن سائرالخلق يدخلون فيه نظراً إلى العلة.و أما الباقون فإنهم قرؤا بالتاء على سبيلالمخاطبة فهو ابتداء خطاب لجميع المؤمنينعلى معنى أن أفعال مؤمني أهل الكتاب ذكرت،ثم قال: و ما تفعلوا من خير معاشر المؤمنينالذين من جملتكم هؤلاء، فلن تكفروه، والفائدة أن يكون حكم هذه الآية عاماً بحسباللفظ في حق جميع المكلفين، و مما يؤكد ذلكأن نظائر هذه الآية جاءت مخاطبة لجميعالخلائق من غير تخصيص بقوم دون قوم كقولهوَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُاللَّهُ