[سورة آلعمران (3): الآيات 79 الى 80] - مفاتیح الشرائع جلد 8
لطفا منتظر باشید ...
و ذلك لأن القوم في نسبة ذلك التحريف إلىاللّه كانوا متحيرين، فإن وجدوا قوماً منالأغمار و البله الجاهلين بالتوراة نسبواذلك المحرف إلى أنه من التوراة، و إن وجدواقوما عقلاء أذكياء زعموا أنه موجود في كتبسائر الأنبياء عليهم الصلاة و السلامالذين جاؤا بعد موسى عليه السلام، و احتجالجبائي و الكعبي به على أن فعل العبد غيرمخلوق للّه تعالى فقالا: لو كان لي اللسانبالتحريف و الكذب خلقاً للّه تعالى لصدقاليهود في قولهم: إنه من عند اللّه و لزمالكذب في قوله تعالى: إنه ليس من عنداللّه، و ذلك لأنهم أضافوا إلى اللّه ما هومن عنده، و اللّه ينفي عن نفسه ما هو منعنده، ثم قال: و كفى خزياً لقوم يجعلوناليهود أولى بالصدق من اللّه قال: ليس لأحدأن يقول المراد من قولهم لِتَحْسَبُوهُمِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِو بين قوله وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْعِنْدِ اللَّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِاللَّهِ فرق، و إذا لم يبق الفرق لم يحسنالعطف، و أجاب الكعبي عن هذا السؤال أيضاًمن وجهين آخرينالأول: أن كون المخلوق منعند الخالق أوكد من كون المأمور به من عندالآمر به، و حمل الكلام على الوجه الأقوىأولى و الثاني: أن قوله وَ ما هُوَ مِنْعِنْدِ اللَّهِ نفي مطلق لكونه من عنداللّه و هذا ينفي كونه من عند اللّه بوجهمن الوجوه، فوجب أن لا يكون من عنده لابالخلق و لا بالحكم.
و الجواب: أما قول الجبائي لو حملنا قولهتعالى: وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِاللَّهِ على أنه كلام اللّه لزم التكرار،فجوابه ما ذكرنا أن قوله وَ ما هُوَ مِنَالْكِتابِ معناه أنه غير موجود في الكتابو هذا لا يمنع من كونه حكماً للّه تعالىثابتاً بقول الرسول أو بطريق آخر فلما قال:وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثبت نفيكونه حكماً للّه تعالى و على هذا الوجه زالالتكرار.
و أما الوجه الأول: من الوجهين اللذينذكرهما الكعبي فجوابه، أن الجواب لا بد وأن يكون منطبقاً على السؤال، و القوم ماكانوا في ادعاء أن ما ذكروه و فعلوه خلقاللّه تعالى، بل كانوا يدعون أنه حكماللّه و نازل في كتابه.
فوجب أن يكون قوله وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِاللَّهِ عائداً إلى هذا المعنى لا إلىغيره، و بهذا الطريق يظهر فساد ما ذكره فيالوجه الثاني و اللّه أعلم.
ثم قال تعالى: وَ يَقُولُونَ عَلَىاللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ والمعنى أنهم يتعمدون ذلك الكذب مع العلم.
و اعلم أنه إن كان المراد من التحريفتغيير ألفاظ التوراة، و إعراب ألفاظها،فالمقدمون عليه يجب أن يكونوا طائفة يسيرةيجوز التواطؤ منهم على الكذب، و إن كانالمراد منه تشويش دلالة تلك الآيات علىنبوّة محمد صلّى الله عليه وسلّم بسببإلقاء الشكوك و الشبهات في وجوهالاستدلالات لم يبعد إطباق الخلق الكثيرعليه و اللّه أعلم.
[سورة آلعمران (3): الآيات 79 الى 80]
ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُاللَّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِكُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِوَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِماكُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِماكُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَ لايَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُواالْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَأَرْباباً أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِبَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)
[في قوله تعالى ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْيُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ]
اعلم أنه تعالى لما بيّن أن عادة علماءأهل الكتاب التحريف و التبديل أتبعه بمايدل على أن من جملة ما حرّفوه ما زعموا أنعيسى عليه السلام كان يدعي الإلهية، و أنهكان يأمر قومه بعبادته فلهذا قال: ما كانَلِبَشَرٍ الآية، و ههنا مسائل: