خاض صاحب «الكشاف» في هذا المقام في الطعنفي أولياء اللّه تعالى و كتب ههنا ما لايليق بالعاقل أن يكتب مثله في كتب الفحشفهب أنه اجترأ على الطعن في أولياء اللّهتعالى فكيف اجترأ على كتبه مثل ذلك الكلامالفاحش في تفسير كلام اللّه تعالى، نسألاللّه العصمة و الهداية، ثم قال تعالى: وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ و المراد منمحبة اللّه تعالى له إعطاؤه الثواب، و منغفران ذنبه إزالة العقاب، و هذا غاية مايطلبه كل عاقل، ثم قال: وَ اللَّهُ غَفُورٌرَحِيمٌ يعني غفور في الدنيا يستر علىالعبد أنواع المعاصي رحيم في الآخرة بفضلهو كرمه.
[سورة آلعمران (3): آية 32]
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَفَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لايُحِبُّ الْكافِرِينَ (32)يروى أنه لما نزل قوله قُلْ إِنْ كُنْتُمْتُحِبُّونَ اللَّهَ الآية قال عبد اللّهبن أبي: إن محمداً يجعل طاعته كطاعة اللّه،و يأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى،فنزلت هذه الآية، و تحقيق الكلام أن الآيةالأولى لما اقتضت وجوب متابعته، ثم إنالمنافق ألقى شبهة في الدين، و هي أنمحمداً يدعي لنفسه مثل ما يقوله النصارىفي عيسى، ذكر اللّه تعالى هذه الآية إزالةلتلك الشبهة، فقال: قُلْ أَطِيعُوااللَّهَ وَ الرَّسُولَ يعني إنما أوجباللّه عليكم متابعتي لا كما تقول النصارىفي عيسى بل لكوني رسولًا من عند اللّه، ولما كان مبلغ التكاليف عن اللّه هو الرسوللزم أن تكون طاعته واجبة فكان إيجابالمتابعة لهذا المعنى لا لأجل الشبهة التيألقاها المنافق في الدين.ثم قال تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّاللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ يعني إنأعرضوا فإنه لا يحصل لهم محبة اللّه، لأنهتعالى إنما أوجب الثناء و المدح لمنأطاعه، و من كفر استوجب الذلة و الإهانة، وذلك ضد المحبة و اللّه أعلم.
[سورة آلعمران (3): الآيات 33 الى 34]
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاًوَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَىالْعالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهامِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(34)اعلم أنه تعالى لما بيّن أن محبته لا تتمإلا بمتابعة الرسل بيّن علو درجات الرسل وشرف مناصبهمفقال: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ و فيالآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن المخلوقات على قسمين: المكلف وغير المكلف و اتفقوا على أن المكلف أفضل منغير المكلف، و اتفقوا على أن أصناف المكلفأربعة: الملائكة، و الإنس و الجن، والشياطين، أما الملائكة، فقد روي فيالأخبار أن اللّه تعالى خلقهم من الريح ومنهم من احتج بوجوه عقلية على صحةذلكفالأول: أنهم لهذا السبب قدروا علىالطيران على أسرع الوجوهو الثاني: لهذاالسبب قدروا على حمل العرش، لأن الريحتقوم بحمل الأشياءالثالث: لهذا السبب سمواروحانيين، و جاء في رواية أخرى أنهم خلقوامن النور، و لهذا صفت و أخلصت للّه تعالى والأولى أن يجمع بين القولين فنقول:أبدانهم من الريح و أرواحهم من النورفهؤلاء هم سكان عالم السموات، أماالشياطين فهم كفرة أما إبليس فكفره ظاهرلقوله تعالى: وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ[البقرة: 34] و أما سائر الشياطين فهم أيضاًكفرة بدليل قوله تعالى: وَ إِنَّالشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلىأَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْأَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْلَمُشْرِكُونَ [الأنعام: 121] و من خواصالشياطين أنهم بأسرها أعداء للبشر قالتعالى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ