قوله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِشَيْءٌ فيه قولانالأول: أن معناه ليسلك من قصة هذه الواقعة و من شأن هذهالحادثة شيء و على هذا فنقل عن المفسرينعباراتأحدهما: ليس لك من مصالح عباديشيء إلا ما أوحي إليكو ثانيها: ليس لكمن مسألة إهلاكهم شيء، لأنه تعالى أعلمبالمصالح فربما تاب عليهمو ثالثها: ليسلك في أن يتوب اللّه عليهم، و لا في أنيعذبهم شيء.و القول الثاني: أن المراد هو الأمر الذييضاد النهي، و المعنى: ليس لك من أمر خلقيشيء إلا إذا كان على وفق أمري، و هو كقولهأَلا لَهُ الْحُكْمُ [الأنعام: 62] و قولهلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْبَعْدُ [الروم: 4] و على القولين فالمقصودمن الآية منعه صلّى الله عليه وسلّم من كلفعل و قول إلا ما كان بإذنه و أمره و هذا هوالإرشاد إلى أكمل درجات العبودية، ثماختلفوا في أن المنع من اللعن لأي معنىكان؟ منهم من قال الحكمة فيه أنه تعالىربما علم من حال بعض الكفار أنه يتوب، أوإن لم يتب لكنه علم أنه سيولد منه ولد يكونمسلماً براً تقياً، و كل من كان كذلك، فإناللائق برحمة اللّه تعالى أن يمهله فيالدنيا و أن يصرف عنه الآفات إلى أن يتوبأو إلى أن يحصل ذلك الولد فإذا حصل دعاءالرسول عليهم بالإهلاك، فإن قبلت دعوتهفات هذا المقصود، و إن لم تقبل دعوته كانذلك كالاستخفاف بالرسول صلّى الله عليهوسلّم، فلأجل هذا المعنى منعه اللّه تعالىمن اللعن و أمره بأن يفوض الكل إلى علماللّه تعالى، و منهم من قال: المقصود منهإظهار عجز العبودية و أن لا يخوض العبد فيأسرار اللّه تعالى في ملكه و ملكوته، هذاهو الأحسن عندي و الأوفق لمعرفة الأصولالدالة على حقيقة الربوبية و العبودية.
المسألة الرابعة:
ذكر الفرّاء و الزجاج و غيرهما في هذهالآية قولينأحدهما: أن قوله أَوْيَتُوبَ عَلَيْهِمْ عطف على ما قبله، والتقدير: ليقطع طرفاً من الذين كفروا، أويكبتهم، أو يتوب عليهم، أو يعذبهم، و يكونقوله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌكالكلام الأجنبي الواقع بين المعطوف والمعطوف عليه، كما تقول: ضربت زيداً،فاعلم ذلك عمراً، فعلى هذا القول هذهالآية متصلة بما قبلها.و القول الثاني: أن معنى أَوْ ههنا معنىحتى، أو إلا أن كقولك: لألزمنك أو تعطينيحقي و المعنى: إلا أن