في هذه الآية قولان:القول الأول: أنها كلام مستقل بنفسه ووعيد عام في حق كل من كفر باللّه و لا تعلقله بما قبله.القول الثاني: أنه متعلق بما قبله والقائلون بهذا القول منهم من حمله علىتارك الحج و منهم من حمله على من لم يعتقدوجوب الحج، أما الذين حملوه على تارك الحجفقد عولوا فيه على ظاهر الآية فإنه لماتقدم الأمر بالحج ثم أتبعه بقوله وَ مَنْكَفَرَ فهم منه أن هذا الكفر ليس إلا تركما تقدم الأمر به ثم إنهم أكدوا هذا الوجهبالأخبار، روي عن النبي صلّى الله عليهوسلّم أنه قال: «من مات و لم يحج فليمت إنشاء يهودياً و إن شاء نصرانياً» و عن أبيأمامة قال: قال النبي صلّى الله عليهوسلّم: «من مات و لم يحج حجة الإسلام و لمتمنعه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطانجائر فليمت على أي حال شاء يهودياً أونصرانياً» و عن سعيد بن جبير: لو مات جار ليو له ميسرة و لم يحج لم أصل عليه، فإن قيل:كيف يجوز الحكم عليه بالكفر بسبب تركالحج؟ أجاب القفال رحمه اللّه تعالى عنه:يجوز أن يكون المراد منه التغليظ، أي قدقارب الكفر و عمل ما يعمله من كفر بالحج، ونظيره قوله تعالى: وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُالْحَناجِرَ [الأحزاب: 10] أي كادت تبلغ ونظيره قوله عليه الصلاة و السلام: «من تركصلاة متعمداً فقد كفر» و قوله عليه الصلاةو السلام: «من أتى امرأة حائضاً أو فيدبرها فقد كفر» و أما الأكثرون: فهم الذينحملوا هذا الوعيد على من ترك اعتقاد وجوبالحج، قال الضحاك: لما نزلت آية الحج جمعالرسول صلّى الله عليه وسلّم أهل الأديانالستة المسلمين، و النصارى و اليهود والصابئين و المجوس و المشركين فخطبهم وقال: «إن اللّه تعالى كتب عليكم الحجفحجوا» فآمن به المسلمون و كفرت به المللالخمس، و قالوا: لا نؤمن به، و لا نصليإليه، و لا نحجه، فأنزل اللّه تعالى قولهوَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّعَنِ الْعالَمِينَ و هذا القول هو الأقوى.
المسألة الثانية:
اعلم أن تكليف الشرع في العبادات قسمان،منها ما يكون أصله معقولًا إلا أن تفاصيلهلا تكون معقولة مثل الصلاة فإن أصلهامعقول و هو تعظيم اللّه أما كيفية الصلاةفغير معقولة، و كذا الزكاة أصلها دفع حاجةالفقير و كيفيتها غير معقولة، و الصومأصله معقول، و هو قهر النفس و كيفيته غيرمعقولة، أما الحج فهو سفر إلى موضع معينعلى كيفيات مخصوصة، فالحكمة في كيفيات هذهالعبادات غير معقولة و أصلها غير معلومة.إذا عرفت هذا فنقول: قال المحققون إنالإتيان بهذا النوع من العبادة أدل علىكمال العبودية و الخضوع و الانقياد منالإتيان بالنوع الأول، و ذلك لأن الآتيبالنوع الأول يحتمل أنه إنما أتى به لماعرف بعقله من وجوه