احتج أصحابنا بهذه الآية على أن المكلفإما مؤمن و إما كافر، و أنه ليس ههنا منزلةبين المنزلتين كما يذهب إليه المعتزلة،فقالوا: إنه تعالى قسم أهل القيامة إلىقسمين منهم من يبيض وجهه و هم المؤمنون، ومنهم من يسود وجهه و هم الكافرون و لم يذكرالثالث، فلو كان ههنا قسم ثالث لذكرهاللّه تعالى قالوا و هذا أيضاً متأكدبقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍمُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌتَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُالْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس: 38- 42].أجاب القاضي عنه بأن عدم ذكر القسم الثالثلا يدل على عدمه، يبين ذلك أنه تعالى إنماقال: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فذكرهما على سبيلالتنكير، و ذلك لا يفيد العموم، و أيضاًالمذكور في الآية المؤمنون و الذين كفروابعد الإيمان و لا شبهة أن الكافر الأصلي منأهل النار مع أنه غير داخل تحت هذينالقسمين، فكذا القول في الفساق.و اعلم أن وجه الاستدلال بالآية هو أنانقول: الآيات المتقدمة ما كانت إلا فيالترغيب في الإيمان بالتوحيد و النبوّة وفي الزجر عن الكفر بهما ثم إنه تعالى اتبعذلك بهذه الآية فظاهرها يقتضي أن يكونابيضاض الوجه نصيباً لمن آمن بالتوحيد والنبوّة، و اسوداد الوجه يكون نصيبا لمنأنكر ذلك، ثم دل ما بعد هذه الآية على أنصاحب البياض من أهل الجنة، و صاحب السوادمن أهل النار، فحينئذ يلزم نفي المنزلةبين المنزلتين، و أما قوله يشكل هذابالكافر الأصلي فجوابنا عنه منوجهينالأول: أن نقول لم لا يجوز أن يكونالمراد منه أن كل أحد أسلم وقت استخراجالذرية من صلب آدم؟ و إذا كان كذلك كانالكل داخلًا فيهو الثاني: و هو أنه تعالىقال في آخر الآية فَذُوقُوا الْعَذابَبِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ فجعل موجبالعذاب هو الكفر من حيث إنه كفر لا الكفر