في قوله مِنْ دُونِكُمْاحتمالانأحدهما: أن يكون متعلقاً بقولهلا تَتَّخِذُوا أي لا تتخذوا من دونكمبطانةو الثاني: أن يجعل وصفاً للبطانة والتقدير: بطانة كائنات من دونكم.فإن قيل: ما الفرق بين قوله: لا تتخذوا مندونكم بطانة، و بين قوله لا تَتَّخِذُوابِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ؟.قلنا: قال سيبويه: إنهم يقدمون الأهم والذي هم بشأنه أعني و ههنا ليس المقصوداتخاذ البطانة إنما المقصود أن يتخذ منهمبطانة فكان قوله: لا تتخذوا من دونكم بطانةأقوى في إفادة المقصود.
المسألة الثالثة:
قيل مِنْ زائدة، و قيل للنبيّين: لاتتخذوا بطانة من دون أهل ملتكم. فإن قيل:هذه الآية تقتضي المنع من مصاحبة الكفارعلى الإطلاق، و قال تعالى: لا يَنْهاكُمُاللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْيُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْيُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْتَبَرُّوهُمْ [الممتحنة: 8] إِنَّمايَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَقاتَلُوكُمْ [الممتحنة: 9] فكيف الجمعبينهما؟ قلنا: لا شك أن الخاص يقدم علىالعام.و اعلم أنه تعالى لما منع المؤمنين من أنيتخذوا بطانة من الكافرين ذكر علة هذاالنهي و هي أمورأحدها: قوله تعالى: لا يَأْلُونَكُمْخَبالًا و فيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال صاحب «الكشاف»: يقال (ألا) في الأمريألوا إذا قصر فيه، ثم استعمل معدى إلىمفعولين في قولهم: لا آلوك نصحاً، و لاآلوك جهداً على التضمين، و المعنى لاأمنعك نصحا و لا أنقصك جهداً.
المسألة الثانية:
الخبال الفساد و النقصان، و أنشدوا:لستم بيد إلا يداً أبدا مخبولة العضدأي فاسدة العضد منقوضتها، و منه قيل: رجلمخبول و مخبل و مختبل لمن كان ناقص العقل،و قال تعالى:لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْإِلَّا خَبالًا [التوبة: 47] أي فساداً وضرراً.
المسألة الثالثة:
قوله لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا أي لايدعون جهدهم في مضرتكم و فسادكم، يقال: ماألوته نصحاً، أي ما قصرت في نصيحته، و ماألوته شراً مثله.
المسألة الرابعة:
انتصب الخبال بلا يألونكم لأنه يتعدى إلىمفعولين كما ذكرنا و إن شئت نصبته علىالمصدر، لأن معنى قوله لا يَأْلُونَكُمْخَبالًا لا يخبلونكم خبالاو ثانيها: قوله تعالى: وَدُّوا ماعَنِتُّمْ و فيه مسائل:
المسألة الأولى:
يقال وددت كذا، أي أحببته و (العنت) شدةالضرر و المشقة قال تعالى: وَ لَوْ شاءَاللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ [البقرة: 220].
المسألة الثانية:
ما مصدرية كقوله ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْتَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِالْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ[غافر: 75] أي بفرحكم و مرحكم و كقوله وَالسَّماءِ وَ ما بَناها وَ الْأَرْضِ وَما طَحاها [الشمس: 5، 6] أي بنائه إياها وطحيه إياها.
المسألة الثالثة:
تقدير الآية: أحبوا أن يضروكم في دينكم ودنياكم أشد الضرر.
المسألة الرابعة:
قال الواحدي رحمه اللّه: لا محل لقولهوَدُّوا ما عَنِتُّمْ لأنه استئنافبالجملة و قيل: إنه