روي أنه عليه الصلاة و السلام قال: «حسبكمن نساء العالمين أربع: مريم و آسية امرأةفرعون، و خديجة، و فاطمة عليهن السلام»فقيل هذا الحديث دل على أن هؤلاء الأربعأفضل من النساء، و هذه الآي دلت على أنمريم عليها السلام أفضل من الكل، و قول منقال المراد إنها مصطفاة على عالمي زمانها،فهذا ترك الظاهر.ثم قال تعالى: يا مَرْيَمُ اقْنُتِيلِرَبِّكِ وَ اسْجُدِيو قد تقدم تفسير القنوت في سورة البقرة فيقوله تعالى:وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [البقرة: 238]و بالجملة فلما بيّن تعالى أنها مخصوصةبمزيد المواهب و العطايا من اللّه أوجبعليها مزيد الطاعات، شكراً لتلك النعمالسنية، و في الآية سؤالات:
السؤال الأول: لم قدم ذكر السجود على ذكرالركوع؟.
و الجوابمن وجوهالأول: أن الواو تفيدالاشتراك و لا تفيد الترتيبالثاني: أنغاية قرب العبد من اللّه أن يكون ساجداًقال عليه الصلاة و السلام: «أقرب ما يكونالعبد من ربه إذا سجد» فلما كان السجودمختصاً بهذا النوع من الرتبة و الفضيلة لاجرم قدمه على سائر الطاعات.ثم قال: وَ ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَو هو إشارة إلى الأمر بالصلاة، فكأنهتعالى يأمرها بالمواظبة على السجود فيأكثر الأوقات، و أما الصلاة فإنها تأتيبها في أوقاتها المعينة لهاو الثالث: قالابن الأنباري: قوله تعالى: اقْنُتِي أمربالعبادة على العموم، ثم قال بعد ذلكاسْجُدِي وَ ارْكَعِي يعني استعمليالسجود في وقته اللائق به، و استعمليالركوع في وقته اللائق به، و ليس المراد أنيجمع بينهما، ثم يقدم السجود على الركوع واللّه أعلمالرابع: أن الصلاة تسمىسجوداً كما قيل في قوله وَ أَدْبارَالسُّجُودِ [ق: 40] و في الحديث «إذا دخلأحدكم المسجد فليسجد سجدتين» و أيضاًالمسجد سمي باسم مشتق من السجود و المرادمنه موضع الصلاة، و أيضاً أشرف أجزاءالصلاة السجود و تسمية الشيء باسم أشرفأجزائه نوع مشهور في المجاز.إذا ثبت هذا فنقول قوله يا مَرْيَمُاقْنُتِي معناه: يا مريم قومي، و قوله وَاسْجُدِي أي صلي فكان المراد من هذاالسجود الصلاة، ثم قال: وَ ارْكَعِي مَعَالرَّاكِعِينَ إما أن يكون أمراً لهابالصلاة بالجماعة فيكون قوله وَ اسْجُدِيأمراً بالصلاة حال الانفراد، و قوله وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ أمراًبالصلاة في الجماعة، أو يكون المراد منالركوع التواضع و يكون قوله وَ اسْجُدِيأمراً ظاهراً بالصلاة، و قوله وَ ارْكَعِيمَعَ الرَّاكِعِينَ