مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 8 -صفحه : 175/ 108
نمايش فراداده

حرمه على نفسه، فخافوا من الفضيحة وامتنعوا من إحضار التوراة، فحصل عند ذلكأمور كثيرة تقوي دلائل نبوّة محمد صلّىالله عليه وسلّم‏أحدها: أن هذا السؤال قدتوجه عليهم في إنكار النسخ، و هو لازم لامحيص عنه‏و ثانيها: أنه ظهر للناس كذبهم وأنهم ينسبون إلى التوراة ما ليس فيهاتارة، و يمتنعون عن الإقرار بما هو فيهاأخرى‏و ثالثها: أن الرسول صلّى الله عليهوسلّم كان رجلًا أمياً لا يقرأ و لا يكتبفامتنع أن يعرف هذه المسألة الغامضة منعلوم التوراة إلا بخبر السماء فهذا وجهحسن علمي في تفسير الآية و بيان النظم.

الوجه الثاني: أن اليهود قالوا له: إنكتدعي أنك على ملة إبراهيم، فلو كان الأمركذلك فكيف تأكل لحوم الإبل و ألبانها مع أنذلك كان حراماً في دين إبراهيم فجعلوا هذاالكلام شبهة طاعنة في صحة دعواه، فأجابالنبي صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الشبهةبأن قال: ذلك كان حلًا لإبراهيم و إسماعيلو إسحاق و يعقوب عليهم السلام، إلا أنيعقوب حرمه على نفسه بسبب من الأسباب وبقيت تلك الحرمة في أولاده فأنكر اليهودذلك، فأمرهم الرسول عليه السلام بإحضارالتوراة و طالبهم بأن يستخرجوا منها آيةتدل على أن لحوم الإبل و ألبانها كانتمحرمة على إبراهيم عليه السلام فعجزوا عنذلك و افتضحوا فظهر عند هذا أنهم كانواكاذبين في ادعاء حرمة هذه الأشياء علىإبراهيم عليه السلام.

الوجه الثالث: أنه تعالى لما أنزل قوله وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْشُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَااخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْبِبَغْيِهِمْ وَ إِنَّا لَصادِقُونَ[الأنعام: 146] و قال أيضا: فَبِظُلْمٍ مِنَالَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْطَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء: 160]فدلت هذه الآية على أنه تعالى إنما حرم علىاليهود هذه الأشياء جزاءً لهم على بغيهم وظلمهم و قبيح فعلهم و إنه لم يكن شي‏ء منالطعام حراماً غير الطعام الواحد الذيحرمه إسرائيل على نفسه، فشق ذلك علىاليهود من وجهين‏أحدهما: أن ذلك يدل علىأن تلك الأشياء حرمت بعد أنت كانت مباحة، وذلك يقتضي وقوع النسخ و هم ينكرونه‏والثاني: أن ذلك يدل على أنهم كانوا موصوفينبقبائح الأفعال، فلما حق عليهم ذلك منهذين الوجهين أنكروا كون حرمة هذه الأشياءمتجددة، بل زعموا أنها كانت محرمة أبداً،فطالبهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بآيةمن التوراة تدل على صحة قولهم فعجزوا عنهفافتضحوا، فهذا وجه الكلام في تفسير هذهالآية و كله حسن مستقيم،

و لنرجع إلى تفسير الألفاظ.

أما قوله كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّالِبَنِي إِسْرائِيلَ ففيه مسائل:

المسألة الأولى:

قال صاحب «الكشاف» كُلُّ الطَّعامِ أي كلالمطعومات أو كل أنواع الطعام و أقول:

اختلف الناس في أن اللفظ المفرد المحلىبالألف و اللام هل يفيد العموم أم لا؟ ذهبقوم من الفقهاء و الأدباء إلى أنه يفيده، واحتجوا عليه بوجوه‏أحدها: أنه تعالى أدخللفظ كُلُّ على لفظ الطعام في هذه الآية، ولو لا أن لفظ الطعام قائم مقام لفظالمطعومات و إلا لما جاز ذلك‏و ثانيها:أنه استثنى عنه ما حرم إسرائيل على نفسه والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل،فلولا دخول كل الأقسام تحت لفظ الطعام وإلا لم يصح هذا الاستثناء و أكدوا هذابقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِيخُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [العصر:2، 3] و ثالثها: أنه تعالى وصف هذا اللفظالمفرد بما يوصف به لفظ الجمع، فقال: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌرِزْقاً لِلْعِبادِ [ق: 10، 11] فعلى هذا منذهب إلى هذا المذهب لا يحتاج إلى الإضمارالذي ذكره صاحب «الكشاف»، أما من قال إنالاسم المفرد المحلى بالألف و اللام لايفيد العموم، و هو الذي نظرناه في أصولالفقه‏