السؤال الأول: هذه الآية جملة شرطية فقولهإِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْتُبْدُوهُ شرط و قوله يَعْلَمْهُ اللَّهُجزاء و لا شك أن الجزاء مترتب على الشرطمتأخر عنه، فهذا يقتضي حدوث علم اللّهتعالى.
و الجواب: أن تعلق علم اللّه تعالى بأنهحصل الآن لا يحصل إلا عند حصوله الآن، ثمأن هذه التبدل و التجدد إنما وقع في النسبو الإضافات و التعليقات لا في حقيقةالعلم، و هذه المسألة لها غور عظيم و هيمذكورة في علم الكلام.
السؤال الثاني: محل البواعث و الضمائر هوالقلب، فلم قال: إِنْ تُخْفُوا ما فِيصُدُورِكُمْ و لم يقل إن تخفوا ما فيقلوبكم؟.
الجواب: لأن القلب في الصدر، فجاز إقامةالصدر مقام القلب كما قال: يُوَسْوِسُ فِيصُدُورِ النَّاسِ [الناس: 5] و قال:فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِيالصُّدُورِ [الحج: 46].
السؤال الثالث: إن كانت هذه الآية وعيداًعلى كل ما يخطر بالبال فهو تكليف ما لايطاق.
الجواب: ذكرنا تفصيل هذه الكلام في آخرسورة البقرة في قوله لِلَّهِ ما فِيالسَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْتُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْتُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ[البقرة: 284].
ثم قال تعالى: وَ يَعْلَمُ ما فِيالسَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ.
و اعلم أنه رفع على الاستئناف، و هو كقولهقاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ[التوبة: 14] جزم الأفاعيل، ثم قال:
وَ يَتُوبُ اللَّهُ فرفع، و مثله قولهفَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلىقَلْبِكَ وَ يَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ[الشورى: 24] رفعاً، و في قوله وَ يَعْلَمُما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِغاية التحذير لأنه إذا كان لا يخفي عليهشيء فيهما فكيف يخفي عليه الضمير.
ثم قال تعالى: وَ اللَّهُ عَلى كُلِّشَيْءٍ قَدِيرٌ إتماماً للتحذير، و ذلكلأنه لما بيّن أنه تعالى عالم بكلالمعلومات كان عالماً بما في قلبه، و كانعالماً بمقادير استحقاقه من الثواب والعقاب، ثم بين أنه قادر على جميعالمقدورات، فكان لا محالة قادراً علىإيصال حق كل أحد إليه، فيكون في هذا تمامالوعد و الوعيد، و الترغيب و الترهيب.
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْمِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْمِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهاوَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30)
اعلم أن هذه الآية من باب الترغيب والترهيب، و من تمام الكلام الذي تقدم.
و فيه مسائل:
ذكروا في العامل في قوله يَوْمَوجوهاًالأول: قال ابن الأنباري: اليوممتعلق بالمصير و التقدير: و إلى اللّهالمصير يوم تجدالثاني: العامل فيه قوله وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ في الآيةالسابقة، كأنه قال: و يحذركم اللّه نفسه فيذلك اليومالثالث: العامل فيه قوله وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أيقدير في ذلك اليوم الذي تجد كل نفس ما عملتمن خير محضراً، و خص هذا اليوم بالذكر، وإن كان غيره من الأيام بمنزلته في قدرةاللّه