أراد أصيد لكم و الهاء في تَبْغُونَهاعائدة إلى السبيل لأن السبيل يؤنث و يذكر والعوج يعني به الزيغ و التحريف، أيتلتمسون لسبيله الزيغ و التحريف بالشبهالتي توردونها على الضعفة نحو قولهم:النسخ يدل على البداء و قولهم: إنه ورد فيالتوراة أن شريعة موسى عليه السلام باقيةإلى الأبد، و في الآية وجه آخر و هو أن يكونعِوَجاً في موضع الحال و المعنى: تبغونهاضالين و ذلك أنهم كأنهم كانوا يدعون أنهمعلى دين اللّه و سبيله فقال اللّه تعالى:إنكم تبغون سبيل اللّه ضالين و على هذاالقول لا يحتاج إلى إضمار اللام فيتبغونها.
ثم قال: وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ
و فيه وجوهالأول: قال ابن عباس رضي اللّهعنهما: يعني أنتم شهداء أن في التوراة أندين اللّه الذي لا يقبل غيره هوالإسلامالثاني: و أنتم شهداء على ظهورالمعجزات على نبوته صلّى الله عليهوسلّمالثالث: و أنتم شهداء أنه لا يجوزالصد عن سبيل اللّهالرابع: و أنتم شهداءبين أهل دينكم عدول يثقون بأقوالكم ويعولون على شهادتكم في عظام الأمور وهمالأحبار و المعنى: أن من كان كذلك فكيفيليق به الإصرار على الباطل و الكذب والضلال و الإضلال.
ثم قال: وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّاتَعْمَلُونَ
و المراد التهديد، و هو كقول الرجل لعبده،و قد أنكر طريقة لا يخفى على ما أنت عليه ولست غافلًا عن أمرك و إنما ختم الآيةالأولى بقوله وَ اللَّهُ شَهِيدٌ و هذهالآية بقوله وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍعَمَّا تَعْمَلُونَ و ذلك لأنهم كانوايظهرون الكفر بنبوّة محمد صلّى الله عليهوسلّم و ما كانوا يظهرون إلقاء الشبه فيقلوب المسلمين، بل كانوا يحتالون في ذلكبوجوه الحيل فلا جرم قال فيما أظهروه وَاللَّهُ شَهِيدٌ و فيما أضمروه وَ مَااللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وإنما كرر في الآيتين قوله قُلْ يا أَهْلَالْكِتابِ لأن المقصود التوبيخ على ألطفالوجوه، و تكرير هذا الخطاب اللطيف أقربإلى التلطف في صرفهم عن طريقتهم في الضلالو الإضلال و أدل على النصح لهم في الدين والإشفاق.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْتُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَأُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَإِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَ كَيْفَتَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلىعَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَ فِيكُمْرَسُولُهُ وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِفَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ(101)
و اعلم انه تعالى لما حذر الفريق من أهلالكتاب في الآية الأولى عن الإغواء والإضلال حذر المؤمنين في هذه الآية عنإغوائهم و إضلالهم و منعهم عن الالتفاتإلى قولهم، روي أن شاس بن قيس اليهودي كانعظيم الكفر شديد الطعن على المسلمين شديدالحسد، فاتفق أنه مرّ على نفر من الأنصارمن الأوس و الخزرج فرآهم في مجلس لهميتحدثون، و كان قد زال ما كان بينهم فيالجاهلية من العداوة ببركة الإسلام، فشقذلك على اليهودي فجلس إليهم و ذكرهم ما كانبينهم من الحروب قبل ذلك و قرأ عليهم بعضما قيل في تلك الحروب من الأشعار فتنازعالقوم و تغاضبوا و قالوا: السلاح السلاح،فوصل الخبر إلى النبي عليه السلام، فخرجإليهم فيمن معه من المهاجرين و الأنصار، وقال: أترجعون إلى أحوال الجاهلية و أنا بينأظهركم، و قد أكرمكم اللّه بالإسلام و ألفبين قلوبكم فعرف القوم أن ذلك كان من عملالشيطان، و من كيد ذلك اليهودى، فألقواالسلاح و عانق بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا معرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فما كانيوم أقبح أولًا و أحسن آخراً من ذلك اليوم،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية فقوله إِنْتُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَأُوتُوا الْكِتابَ يحتمل أن يكون المرادهذه