مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 8 -صفحه : 175/ 126
نمايش فراداده

الواقعة، و يحتمل أن يكون المراد جميع مايحاولونه من أنواع الإضلال، فبيّن تعالىأن المؤمنين إن لانوا و قبلوا منهم قولهمأدى ذلك حالًا بعد حال إلى أن يعودواكفاراً، و الكفر يوجب الهلاك في الدنيا والدين، أما في الدنيا فبوقوع العداوة والبغضاء و هيجان الفتنة و ثوران المحاربةالمؤدية إلى سفك الدماء، و أما في الدينفظاهر.

ثم قال تعالى: وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ آياتُاللَّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ‏

و كلمة (كيف) تعجب، و التعجب إنما يليق بمنلا يعلم السبب، و ذلك على اللّه محال، والمراد منه المنع و التغليظ و ذلك لأنتلاوة آيات اللّه عليهم حالًا بعد حال معكون الرسول فيهم الذي يزيل كل شبهة و يقرركل حجة، كالمانع من وقوعهم في الكفر، فكانصدور الكفر على الذين كانوا بحضرة الرسولأبعد من هذا الوجه، فقوله إِنْ تُطِيعُوافَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُواالْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَإِيمانِكُمْ كافِرِينَ تنبيه على أنالمقصد الأقصى لهؤلاء اليهود و المنافقينأن يردوا المسلمين عن الإسلام ثم أرشدالمسلمين إلى أنه يجب أن لا يلتفتوا إلىقولهم، بل الواجب أن يرجعوا عند كل شبهةيسمعونها من هؤلاء اليهود إلى الرسول صلّىالله عليه وسلّم، حتى يكشف عنها و يزيل وجهالشبهة فيها.

ثم قال: وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِفَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍمُسْتَقِيمٍ‏

و المقصود: إنه لما ذكر الوعيد أردفه بهذاالوعد، و المعنى: و من يتمسك بدين اللّه، ويجوز أن يكون حثاً لهم على الالتجاء إليهفي دفع شرور الكفار و الاعتصام في اللغةالاستمساك بالشي‏ء و أصله من العصمة، والعصمة المنع في كلام العرب، و العاصمالمانع، و اعتصم فلان بالشي‏ء إذا تمسكبالشي‏ء في منع نفسه من الوقوع في آفة، ومنه قوله تعالى: وَ لَقَدْ راوَدْتُهُعَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ [يوسف: 32] قالقتادة: ذكر في الآية أمرين يمنعان عنالوقوع في الكفرأحدهما: تلاوة كتاباللّه‏و الثاني: كون الرسول فيهم، أماالرسول صلّى الله عليه وسلّم فقد مضى إلىرحمة اللّه، و أما الكتاب فباق على وجهالدهر.

و أما قوله فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍمُسْتَقِيمٍ فقد احتج به أصحابنا على أنفعل العبد مخلوق للّه تعالى، قالوا: لأنهجعل اعتصامهم هداية من اللّه، فلما جعلذلك الاعتصام فعلًا لهم و هداية من اللّهثبت ما قلناه، أما المعتزلة فقد ذكروا فيهوجوهاًالأول: أن المراد بهذه الهدايةالزيادة في الألطاف المرتبة على أداءالطاعات كما قال تعالى: يَهْدِي بِهِاللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَالسَّلامِ [المائدة: 16] و هذا اختارهالقفال رحمه اللّه‏و الثاني:

أن التقدير من يعتصم باللّه فنعم ما فعلفإنه إنما هدي إلى الصراط المستقيم ليفعلذلك‏الثالث: أن من يعتصم باللّه فقد هديإلى طريق الجنةو الرابع: قال صاحب«الكشاف» فَقَدْ هُدِيَ أي فقد حصل لهالهدى لا محالة، كما تقول: إذا جئت فلانافقد أفلحت، كأن الهدى قد حصل فهو يخبر عنهحاصلًا و ذلك لأن المعتصم باللّه متوقعللهدى كما أن قاصد الكريم متوقع للفلاحعنده.

[سورة آل‏عمران (3): الآيات 102 الى 103]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوااللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّإِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاًوَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَاللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْأَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْفَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناًوَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَالنَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)