وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْقَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً[مريم: 74] و قوله فَلْيَدْعُ نادِيَهُسَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق: 17، 18] وثالثها: أنها نزلت في أبي سفيان، فإنه أنفقمالًا كثيراً على المشركين يوم بدر و أحدفي عداوة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
و القول الثاني: أن الآية عامة في حق جميعالكفار، و ذلك لأنهم كلهم كانوا يتعززونبكثرة الأموال، و كانوا يعيرون الرسولصلّى الله عليه وسلّم و أتباعه بالفقر، وكان من جملة شبههم أن قالوا: لو كان محمدعلى الحق لما تركه ربه في هذا الفقر والشدة و لأن اللفظ عام، و لا دليل يوجبالتخصيص فوجب إجراؤه على عمومه، و للأولينأن يقولوا: إنه تعالى قال بعد هذه الآيةمَثَلُ ما يُنْفِقُونَ [آل عمران: 177]فالضمير في قوله يُنْفِقُونَ عائد إلى هذاالموضع، و هو قوله إِنَّ الَّذِينَكَفَرُوا ثم إن قوله يُنْفِقُونَ مخصوصببعض الكفار، فوجب أن يكون هذا أيضاًمخصوصاً.
إنما خص تعالى الأموال و الأولاد بالذكرلأن أنفع الجمادات هو الأموال و أنفعالحيوانات هو الولد، ثم بيّن تعالى أنالكافر لا ينتفع بهما ألبتة في الآخرة، وذلك يدل على عدم انتفاعه بسائر الأشياءبطريق الأولى، و نظيره قوله تعالى: يَوْمَلا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّامَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[الشعراء: 88، 89] و قوله وَ اتَّقُوا يَوْماًلا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً[البقرة: 48] الآية و قوله فَلَنْ يُقْبَلَمِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِذَهَباً وَ لَوِ افْتَدى بِهِ [آل عمران:91] و قوله وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لاأَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْعِنْدَنا زُلْفى [سبأ: 37] و لما بيّنتعالى أنه لا انتفاع لهم بأموالهم و لابأولادهم، قال: وَ أُولئِكَ أَصْحابُالنَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
و احتج أصحابنا بهذه الآية على أن فساقأهل الصلاة لا يبقون في النار أبداًفقالوا قوله وَ أُولئِكَ أَصْحابُالنَّارِ كلمة تفيد الحصر فإنه يقال:أولئك أصحاب زيد لا غيرهم و هم المنتفعونبه لا غيرهم و لما أفادت هذه الكلمة معنىالحصر ثبت أن الخلود في النار ليس إلاللكافر.
مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِالْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍفِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُوَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْأَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)
اعلم أنه تعالى لما بيّن أن أموال الكفارلا تغني عنهم شيئاً، ثم إنهم ربما أنفقواأموالهم في وجوه الخيرات، فيخطر ببالالإنسان أنهم ينتفعون بذلك، فأزال اللّهتعالى بهذه الآية تلك الشبهة، و بيّن أنهملا ينتفعون بتلك الإنفاقات، و إن كانوا قدقصدوا بها وجه اللّه.
و في الآية مسائل:
المثل الشبه الذي يصير كالعلم لكثرةاستعماله فيما يشبه به و حاصل الكلام أنكفرهم يبطل ثواب نفقتهم، كما أن الريحالباردة تهلك الزرع.
فإن قيل: فعلى هذا التقدير مثل إنفاقهم هوالحرث الذي هلك، فكيف شبه الإنفاق بالريحالباردة المهلكة.
قلنا: المثل قسمان منه ما حصلت فيهالمشابهة بين ما هو المقصود من الجملتين وإن لم تحصل المشابهة بين أجزاء الجملتين،و هذا هو المسمى بالتشبيه المركب، و منه ماحصلت المشابهة فيه بين المقصود منالجملتين، و بين أجزاء كل واحدة منهما،فإذا جعلنا هذا المثل من القسم الأول زالالسؤال، و إن جعلناه من