مفاتیح الشرائع

محمد محسن بن الشاه مرتضی ابن الشاه محمود ‏

جلد 8 -صفحه : 175/ 154
نمايش فراداده

القسم الثاني ففيه وجوه‏الأول: أن يكونالتقدير: مثل الكفر في إهلاك ما ينفقون،كمثل الريح المهلكة للحرث الثاني: مثل ماينفقون، كمثل مهلك ريح، و هوالحرث‏الثالث: لعلّ الإشارة في قولهمَثَلُ ما يُنْفِقُونَ إلى ما أنفقوا فيإيذاء رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فيجمع العساكر عليه، و كان هذا الإنفاقمهلكاً لجميع ما أتوا به من أعمال الخير والبر و حينئذ يستقيم التشبيه من غير حاجةإلى إضمار و تقديم و تأخير، و التقدير: مثلما ينفقون في كونه مبطلًا لما أتوا به قبلذلك من أعمال البر كمثل ريح فيها صر فيكونها مبطلة للحرث، و هذا الوجه خطربباليّ عند كتابتي على هذا الموضع، فإنانفاقهم في إيذاء الرسول صلّى الله عليهوسلّم من أعظم أنواع الكفر و من أشدهاتأثيراً في إبطال آثار أعمال البر.

المسألة الثانية:

اختلفوا في تفسير هذا الإنفاق علىقولين‏الأول: أن المراد بالإنفاق ههنا هوجميع أعمالهم التي يرجون الانتفاع بها فيالآخرة سماه اللّه إنفاقاً كما سمى ذلكبيعاً و شراء في قوله إِنَّ اللَّهَاشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَأَنْفُسَهُمْ [التوبة: 111] إلى قولهفَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِيبايَعْتُمْ بِهِ [التوبة: 111] و مما يدل علىصحة هذا التأويل قوله تعالى: لَنْتَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوامِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92] و المرادبه جميع أعمال الخير و قوله تعالى: لاتَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْبِالْباطِلِ [البقرة: 188] و المراد جميعأنواع الانتفاعات.

و القول الثاني: و هو الأشبه أن المرادإنفاق الأموال، و الدليل عليه ما قبل هذهالآية و هو قوله لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْأَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ [آلعمران: 10].

المسألة الثالثة:

قوله مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ المراد منهجميع الكفار أو بعضهم، فيه قولان: الأول:المراد بالإخبار عن جميع الكفار، و ذلكلأن إنفاقهم إما أن يكون لمنافع الدنيا أولمنافع الآخرة فإن كان لمنافع الدنيا لميبق منه أثر ألبتة في الآخرة في حق المسلمفضلًا عن الكافر و إن كان لمنافع الآخرة لمينتفع به في الآخرة لأن الكفر مانع منالانتفاع به، فثبت أن جميع نفقات الكفارلا فائدة فيها في الآخرة، و لعلّهم أنفقواأموالهم في الخيرات نحو بناء الرباطات والقناطر و الاحسان إلى الضعفاء و الأيتامو الأرامل، و كان ذلك المنفق يرجو من ذلكالإنفاق خيراً كثيراً فإذا قدم الآخرة رأىكفره مبطلًا لآثار الخيرات، فكان كمن زرعزرعاً و توقع منه نفعاً كثيراً فأصابتهريح فأحرقته فلا يبقى معه إلا الحزن والأسف، هذا إذا أنفقوا الأموال في وجوهالخيرات أما إذا أنفقوها فيما ظنوه أنهالخيرات لكنه كان من المعاصي مثل إنفاقالأموال في إيذاء الرسول صلّى الله عليهوسلّم و في قتل المسلمين و تخريب ديارهم،فالذي قلناه فيه أسد و أشد، و نظير هذهالآية قوله تعالى: وَ قَدِمْنا إِلى‏ ماعَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُهَباءً مَنْثُوراً [الفرقان: 23] و قال:إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَأَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِاللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّتَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً [الأنفال: 36]و قوله وَ الَّذِينَ كَفَرُواأَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ [النور:39] فكل ذلك يدل على الحسنات من الكفار لاتستعقب الثواب، و كل ذلك مجموع في قولهتعالى: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَالْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] و هذا القول هوالأقوى و الأصح.

و اعلم أنا إنما فسرنا الآية بخيبة هؤلاءالكفار في الآخرة و لا يبعد أيضاً تفسيرهابخيبتهم في الدنيا، فإنهم أنفقوا الأموالالكثيرة في جمع العساكر و تحملوا المشاقثم انقلب الأمر عليهم، و أظهر اللّهالإسلام و قواه فلم يبق مع الكفار من ذلكالإنفاق إلا الخيبة و الحسرة.

و القول الثاني: المراد منه الإخبار عنبعض الكفار، و على هذا القول ففي الآيةوجوه‏الأول: أن المنافقين‏